بعد الإنتهاء من الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، التي قادت إلى إعادة رمي المسؤولية على كاهل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بات من الواضح أن غالبية القوى السياسية تراهن على مرحلة إنتقالية، هي الفترة الفاصلة عن نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، الأمر الذي دفع بعضها، خصوصاً حزب "القوات اللبنانية"، إلى عدم البحث عن خوض معركة رئاسة الحكومة، على إعتبار أن التركيز يجب أن يكون على الملف الرئاسي.
ما ينطبق على "القوات" ينطبق على غالبية القوى الأخرى، التي ترى أن من المستحيل الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة في الوقت الراهن، خصوصاً أن إنطلاق البحث جدياً في هوية رئيس الجمهورية المقبل من المفترض أن يكون خلال شهرين من اليوم، أيّ أن ليس لدى أيّ منها الوقت لخوض معارك لا فائدة منها حول الحصص والتوازنات، لا سيما ان أي حكومة جديدة من غير المرجح أن تعمر طويلاً، حتى ولو دخلت البلاد في مرحلة فراغ رئاسي، نظراً إلى أن سيف العقوبات سيعود إلى الظهور سريعاً، لدفع مختلف الأفرقاء للإستعجال في إنهاء هذا الإستحقاق.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل إمكانية النجاح في تأليف حكومة جديدة، بحسب ما تشير مصادر سياسية مطلعة عبر "النشرة"، خصوصاً إذا ما تم التوافق على تقديم تنازلات تقوم على أساس إعادة إحياء حكومة تصريف الأعمال الحالية مع بعض التعديلات على تركيبتها، إلا أن ما يجب التنبه إليه بشكل جدّي هو الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالملف اللبناني، نظراً إلى أن المرحلة الإنتقالية، التي يتم الحديث عنها، لا يمكن أن تكون بعيدة عنها بأيّ شكل من الأشكال.
وتلفت المصادر نفسها إلى مجموعة من المعطيات المحلّية التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، أبرزها حراك السفير السعودي وليد البخاري في الأيام الماضية التي سبقت الإستشارات النيابية، على إعتبار أن الهدف منها تبين أنه لم يكن الدخول في معركة رئاسة الحكومة، بل التمهيد نحو إعادة ترتيب البيت الداخلي السنّي بعد الشرذمة التي أفرزتها الإنتخابات النيابية، بالإضافة إلى تلميح النواب التغييريين، من القصر الجمهوري، إلى خيار العودة إلى الشارع في وقت قريب.
وفي حين من الممكن أن تقود حالة "المراوحة" السياسية فعلياً إلى إعادة تحريك الشارع من جديد، خصوصاً إذا ما تزامنت مع المزيد من التدهور في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، تشدد هذه المصادر على ضرورة التنبّه إلى ما قد يطرأ على مستوى ملفّ ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، نظراً إلى الحاجتين الأميركية والأوروبية إلى الحسم في وقت قريب، بينما بعض المؤشّرات توحي بصعوبة حصول ذلك، لا سيّما أنّ تل أبيب تتّجه إلى إنتخابات برلمانيّة مبكرة.
بالعودة إلى الصورة الأبعد، أي الظروف الإقليمية والدولية، ترى المصادر السياسية المطلعة أن هناك مجموعة من المعطيات يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، على مبدأ أن الإنتخابات الرئاسية في لبنان، تاريخياً، تقوم على أساس المعادلات أو التسويات الخارجية بالدرجة الأولى، حيث تلفت إلى أن الحرب في أوكرانيا، بما تحمله من تداعيات على المستوى العالمي، من المرجح أن تستمر، في حين أن فرص التوصّل إلى إتفاق حول الملف النووي الإيراني تراجعت في الآونة الأخيرة.
ما يعزز هذه الصورة، بحسب المصادر نفسها، هو النتائج المتوقعة لزيارة الرئيس الأميركي جو بادين إلى المنطقة، في منتصف شهر تموز المقبل، على إعتبار أنها قد تقود بعض الجهات الإقليمية إلى التشدد أكثر في مقاربتها لمختلف الملفّات، نظراً إلى حاجة الرئيس الأميركي إلى التوافق معها، قبل الوصول إلى الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وهو ما يمكن تلمّسه من خلال الجولة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى عدد من الدول الفاعلة في الأيام الماضية.
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ الحديث عن مرحلة إنتقاليّة دقيق جداً، لكن اللافت أنّ غالبيّة القوى الخارجيّة المؤثّرة، تاريخياً، في الساحة اللبنانيّة تبدو منشغلة بأمور أخرى، الأمر الذي يرجّح أن تطول هذه المرحلة بعض الشيء، إلا بحال حصول توافق لبناني لبناني صعب، لكن ما يمكن الركون إليه هو أن هناك مصلحة جدّية عند غالبيّة هذه القوى بعدم تفجير الأوضاع في هذه الساحة بشكل كامل.