بانتظار انتهاء الاستشارات النيابية غير المُلزِمة التي يجريها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مع الكتل البرلمانية والنواب المستقلّين، تمهيدًا لبدء العمل على تشكيلته الحكومية، بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لا تزال "استشارات بعبدا" التي أفضت إلى تسميته بأكثرية وُصِفت بـ"الخجولة"، بل "الهزيلة" وفق بعض الآراء، محور أخذ وردّ في مختلف الأوساط.
فمع أنّ كلّ التوقعات كانت ترجّح إعادة تكليف ميقاتي بأكثرية قد لا تصل إلى نسبة الـ65 صوتًا التي كرّستها انتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه وأميني السرّ، وخصوصًا بعد بروز منافسٍ له، ولو اعتُبِر "غير جدّي"، إلا أنّ ما توقّف عنده كثيرون، تمثّل في إحجام الكتلتين المسيحيتين الأكبر عن تسميته، أي تكتل "لبنان القوي" وكتلة "الجمهورية القوية".
ورغم أنّ ميقاتي حصد بعض الأصوات المسيحيّة في الاستشارات، بنيله أصوات تيار "المردة" وبعض حلفاء "حزب الله"، ما أعطى تكليفه "ميثاقية نسبية"، ولو بصورة جزئية، إلا أنّ النسبة بقيت "متواضعة"، وقد زادها "تعقيدًا"، أنّ الكتل المسيحيّة التي لم تسمّه، لم تختر بديلاً عنه، مكتفية بـ"عدم التسمية"، في خيار يبدو هو الآخر "مثيرًا للجدل".
إزاء ذلك، طُرِحت العديد من علامات الاستفهام، فلماذا انتهجت الكتل المسيحية الكبرى هذا الخيار، في حين كانت قادرة على إيصال موقفها من ميقاتي عبر تسمية أحد منافسيه؟ ألم تجد أيّ شخصية سنية مؤهّلة لتولّي منصب رئاسة الحكومة، طالما أنّها لا تريد عودة ميقاتي؟ وهل أسّست لعرف جديد، قد لا يكون من صالحها أن يتبنّاه السنّة في انتخابات رئاسة الجمهورية؟.
تتفاوت "القراءات" في الأوساط السياسية حول "مقاربة" عدم التسمية في استشارات التكليف، فثمّة من يرى فيها "خيارًا سياسيًا مشروعًا" يشبه إلى حدّ بعيد "الورقة البيضاء" في أيّ انتخابات، تعبيرًا عن "عدم الرضا" عن المرشحين المطروحين، في "منطق" ترفضه شريحة أخرى، خصوصًا أنّ تكليف رئيس حكومة لا يتطلب استشارات مسبقة، ما يوحي بأنّ عدم التسمية مجرد "هروب"، خصوصًا أنّ من تبنّوه كانوا قادرين على تسمية من يريدون من دون أيّ حَرَج.
هكذا، يبرّر المحسوبون على "التيار الوطني الحر" عدم التسمية بالإشارة إلى "امتعاض" فريقهم السياسي من شخص المرشح "الأوفر حظًا"، أي نجيب ميقاتي، في ظلّ الاعتراضات على أدائه في حكومة تصريف الأعمال، ورفضه الخوض في الاستحقاقات "الكبرى" المطروحة على جدول الأعمال، بدليل عدم تحقيق حكومته أيّ "إنجاز" يُبنى عليه، سوى إجراء الانتخابات النيابية، هذا إذا كان من الجائز تصنيف هذا الأمر "إنجازًا".
أما عن سبب عدم التسمية، فيقول هؤلاء إنّهم أرادوا توجيه "رسالة" لميقاتي، من خلال رفضهم لتبنّيه وتحفّظهم على اسمه، بغياب أيّ مرشح "جدّي" آخر، علمًا أنّهم كانوا منفتحين على أيّ خيارات أخرى، مع مراعاة حلفائهم في الوقت نفسه، وقد سعوا علنًا لفتح قنوات "تواصل" مع العديد من نواب المعارضة، وخصوصًا "التغييريين" منهم، إلا أنّهم اصطدموا بـ"تشتّت" هؤلاء، الذي انعكس أصلاً في تفرّقهم خلال الاستشارات.
ورغم الافتراق السياسي، لا يبدو المحسوبون على "القوات اللبنانية" بعيدين عن المنطق نفسه، حيث يشيرون إلى أنّ عدم التسمية جاء لرفضهم "المرشحَين" للمنصب، فنجيب ميقاتي الذي اتُهِموا بتمرير "Pass" له من خلال عدم انتخاب منافسه، لا يتوافق والمؤهلات التي اشترطوها، التي لم تتوافر في السفير نواف سلام أيضًا، باعتبار أنّ الأخير الذي سبق أن سمّوه، لم يعلن من وقتها عن مشروعه أو برنامج، أو يحدّد موقفه من القضايا الشائكة.
وإذا كان صحيحًا أنّه كان بمقدور "القوات" أن تسمّي المرشح الذي ترغب، باعتبار أنّ هذا الاستحقاق لا يستوجب "الترشيحات المسبقة"، ويحقّ للنائب أن يسمّي أيّ شخصية يعتبر أنّها مؤهّلة لرئاسة الحكومة، فإنّ المحسوبين على الحزب يعتبرون أنّ هذا الأمر لم يكن ليقدّم أو يؤخّر شيئًا، وكان من شأنه "إحراق" بعض الأسماء التي يمكن الاستثمار فيها في استحقاقات مقبلة، طالما أنّ "لا فرصة" لديها في الظرف الراهن.
لكن هذه التبريرات لا تبدو "مقنعة" بالنسبة إلى كثيرين، ممّن يعتبرون عدم التسمية نوعًا من "الهروب" لا أكثر، فضلاً عن كونه "تسليمًا ضمنيًا" بالنتيجة "المحسومة" للاستشارات، وكأنّ نجيب ميقاتي هو بالفعل المؤهَّل "الوحيد" لإدارة المرحلة، رغم بعض التحفظات "الشكلية" على شخصه، في حين كان بإمكان هؤلاء المتحفّظين أن يطرحوا أسماء أخرى، وكان يمكن أن يخلقوا لو أرادوا "منافسة" جدية وحقيقية.
أكثر من ذلك، يسأل هؤلاء عمّا سيكون موقف هذه الكتل لو قرّرت كتل أخرى أن تمارس الأمر نفسه معهم في انتخابات رئاسة الجمهورية، فهل يكون "الإحجام" عن تسمية أيّ شخصية مسيحية لاستلام منصب الرئاسة محبَّذًا من جانبهم، مع ما ينطوي عليه بعدم وجود أحد يستحق لقب "فخامة الرئيس"؟ وما محلّ مبدأ "الميثاقية" الذي لطالما رفعه هؤلاء النواب قبل غيرهم، في حال وقوع مثل هذا "السيناريو"؟!.
ثمّة من يقول إنّ هذه المرحلة "انتقالية"، وقد لا تحتمل الكثير من التحليل والتفسير، وثمّة من يعتبر أنّ تسمية ميقاتي كانت "تحصيلاً حاصلاً"، تمامًا كما أنّ عدم تأليفه للحكومة، شبه "محسوم"، لأنّ جميع الفرقاء يدركون أنّ المرحلة الفاصلة عن انتهاء الولاية الرئاسية لن تسمح بولادة حكومة وفق الشروط والمواصفات التي يضعها، من دون "تنازلات"، لكنّ الخشية تبقى من "أعراف" لا يرى الكثيرون فيها "فأل خير"!.