بعيداً عن السجالات التي رافقت تقديم رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي تشكيلته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، من الضروري التدقيق في هذه التشكيلة، خصوصاً بعد أن باتت جميع الأسماء معروفة بالحقائب التي كان من المرجّح أن تتولاها.
على هذا الصعيد، من المفيد الإشارة إلى أنّ تركيبة حكومة تصريف الأعمال تمّت "دوزنتها" بشكل دقيق على مستوى التوازنات، على إفتراض أنّها من الممكن أن تبقى حتى نهاية عهد رئيس الجمهوريّة، الأمر الذي دفع رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية إلى التراجع، عن قراره بعدم تسمية أيّ بديل لوزير الإعلام السابق جورج قرداحي.
إنطلاقاً من ذلك، لا يمكن النظر إلى أيّ تعديل على تركيبتها إلا من هذه البوابة، الأمر الذي يتأكّد سريعاً عند البحث في التوازنات الجديدة، بالرغم من أن أيّ عمليّة من هذا النوع كان من المفترض أن تأخذ بعين الإعتبار 3 عوامل أساسية: أداء الوزراء، نتائج الإنتخابات النيابية، مواقف الكتل.
العامل الثالث كان من المفترض أن يسهّل مهمة رئيس الحكومة المكلّف، نظراً إلى أن غالبية القوى أكدت عدم رغبتها المشاركة بالجديدة، أما بالنسبة إلى الأول، أي أداء الوزراء، كان من الواضح أنه لم يكن المعيار الأساسي لأخذ القرار، نظراً إلى وجود بعض الوزراء، الذين وضعت حول أدائهم علامات إستفهام، لم يتمّ إستبدالهم.
على الرغم من ذلك، يبقى الأساس في العامل الثاني، أي نتائج الإنتخابات، فالتشكيلة تظهر إعترافاً بتلك التي أفرزتها الساحتين الدرزيّة والشيعيّة، حيث جرى إستبدال الوزير المحسوب على "الحزب الديمقراطي اللبناني" بآخر محسوب على "الحزب التقدمي الإشتراكي". بينما لم يتمّ المس بعملية توزيع الحصة الشيعيّة، بعد أن نجح الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" بالفوز بجميع المقاعد الشيعيّة.
على المستوى الساحتين المسيحيّة والسنّية، قرّر ميقاتي الحفاظ على موقع نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي تمت تسميته من قبل "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، بالرغم من أن الحزب لم يعد ممثلاً في البرلمان، بينما حافظ تيار "المردة" على تمثيله بوزيرين، بالرغم من أنه على المستوى الحزبي لم ينجح بالفوز إلا بمقعد نيابي واحد.
في المقابل، تمّ تمثيل تكتّل نواب الشمال، الذي لا يضم إلا نائباً مسيحياً واحداً، بوزير أرثوذكسي هو المرشح لتولي وزارة المهجرين سجيع عطية، على حساب الوزير وليد فياض المحسوب على فريق رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر"، مع العلم أن أيّ تعديل منطقي كان من المفترض أن يقوم على أساس تمثيل النواب المستقلّين أو التغييريين أو حزب "القوات اللبنانية".
بالنسبة إلى الساحة السنّية، من الممكن طرح الكثير من علامات الإستفهام، بدءا من حصول التكتل الأبرز على مقعد أرثوذكسي، وصولاً إلى عدم تمثيل النواب السنة الذين يدورون في فلك قوى الثامن من آذار بشكل واضح، حيث حافظ كل من رئيس الحكومة المكلف ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري على حصصهما، بالرغم من أنّهما، من الناحية الرسميّة، أعلنا عدم مشاركتهما في الإنتخابات.
في المحصّلة، المعادلة الأساسيّة تبقى التوازنات التي قامت على أساسها حكومة تصريف الأعمال، أي معادلة 8-8-8، حيث يتبيّن أنّ التعديل الوزاري قام على أساس سحب وزيرين، من الثلث الذين يمون عليه رئيس الجمهوريّة و"التيار الوطني الحر"، كي ينضمّا إلى الثلث الذي يمون عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري وميقاتي والحريري ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط.