منذ بروز نتائج الإنتخابات النّيابية، أعلنت القوى الأساسية في المعارضة، في أكثر من مناسبة، عن تبدل حصل في توازنات المجلس الجديد، لناحية وجود أكثريّة نيّابية جديدة تعارض قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، لكنها لم تنجح، حتى اليوم، في ترجمة هذا الأمر في جميع الإستحقاقات التي حصلت، سواء كانت على مستوى البرلمان أو على مستوى تسمية رئيس الحكومة المكلف.
اليوم، تروّج هذه القوى لمعادلة أن "التغيير" يبدأ من الإنتخابات الرئاسيّة، على قاعدة أنّ هذا الإستحقاق سيكون نقطة التحول نحو مرحلة جديدة، من الممكن الرهان بعدها على تبدّل يحصل في الظروف القائمة، نظراً إلى أن النتيجة الأولية لها ستكون نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن ماذا بعد ذلك؟.
من حيث المبدأ، لا يمكن النظر إلى الإستحقاق الرئاسي على أساس أنّه إستحقاق داخلي فقط، هذا ما تؤكد عليه مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، على إعتبار أن العوامل الإقليميّة والدوليّة ستكون حاضرة فيه بقوّة، الأمر الذي من الممكن التأكيد عليه من خلال مراجعة مختلف الإستحقاقات الرئاسيّة التي مرّت على مدى السنوات الماضية، وبالتالي تأثير المعطيات الداخلية لن يكون هو الأساس.
على المستوى الدوّلي، حتى السّاعة لا تزال الحرب في أوكرانيا تلقي بثقلها على المسرح العالمي، ومن المرجّح أن تزداد حدّة تداعياتها في الأشهر المقبلة، من وجهة نظر المصادر نفسها، نظراً لحاجة الجانب الأوروبي لحلول عمليّة قبل بداية فصل الشتاء، خصوصاً أنّ بلدان القارة العجوز لم تنجح، حتى الآن، في تأمين البدائل عن الغاز الروسي، الذي تستخدمه موسكو كورقة إستراتيجيّة في الصراع الذي تخوضه مع الغرب.
أما على المستوى الإقليمي، فتلفت هذه المصادر إلى أنّ الصورة لا تزال غير واضحة، حيث تظهر العديد من الطروحات الإستفزازيّة، كتشكيل "ناتو" عربي"، على وقع حالة المراوحة التي تمرّ بها المفاوضات المتعلّقة بالإتفاق النووي الإيراني، بينما من المتوقع أن تشهد المنطقة مجموعة من التحولات المهمة، خصوصاً على مستوى سعي مختلف الأفرقاء إلى إعادة تجميع أوراق قوتهم، طالما أنّ معالم التسويات لم تظهر بعد بشكل جدي، الأمر الّذي من الممكن أن تكون بداياته عبر إعلان حركة "حماس" أخذ القرار بإعادة فتح قنوات التواصل مع الحكومة السوريّة.
بالعودة إلى المشهد المحلّي، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا ستملكان، على المستوى الدولي، التأثير الأكبر في الإستحقاق الرئاسي، لا سيّما أنهما يحظيان، عبر سلاح العقوبات، القدرة على التأثير في مجرياته، وتوضح أنهما، من حيث المبدأ، يفضلان الذهاب إلى التسويات التي تحفظ الإستقرار المحلّي. بينما تملك كل من إيران والسعودية، على المستوى الإقليمي، القدرة على لعب دور كبير، حتى ولو كان ذلك بصورة مباشرة، وهما قد تفضلان أيضاً، في حال تقدم المفاوضات بينهما، الذهاب إلى الحلول التسووية لا الصدامية.
بالنسبة إلى توازنات المجلس النيابي، الذي من المفترض به أن ينتخب الرئيس المقبل، توضح المصادر نفسها أنّ الإستحقاقات التي حصلت أظهرت أنّ فريق قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" هو الذي يملك الكتلة النيابيّة الصلبة الأكبر، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار والنواب المستقلين والتغييريين، لكنهما (أي الفريقين) لا يملك احدهما القدرة منفردًأ على الحسم في الإستحقاق الرئاسي، حيث من المستبعد أن يكون المطلوب من هذا الإستحقاق أن يصبح بوابة لمواجهة داخلية مفتوحة.
في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ المعادلة الأساسية، في الإستحقاق الرئاسي، إنطلاقاً من المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية، ستقوم على أساس البحث عن تسوية، أقصى ما يمكن أن تطمح إليه القوى المعارضة فيها هو أن تقود إلى مرشّح وسطي، الأمر الذي من غير المستبعد أن يوافق عليه الفريق الآخر، الذي قد يشهد خلافات كبيرة حياله، في ظل وجود أكثر من مرشح أو وجهة نظر لديه في كيفية التعامل معه.