رأى إلبريدج كولبي النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستراتيجية وتطوير القوات أنه يتعين أن تركز السياسة الخارجية الأميركية بسرعة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وحتى خلالها، على المنطقة الأكثر حسما في العالم وهي: آسيا.
واوضح إن ذلك سوف يتطلب أن تعطي السياسة الخارجية والعسكرية الأميركية الأولوية في واقع الأمر لآسيا- بالنسبة للاستثمارات العسكرية وتخصيص رأس المال السياسي والموارد، وبالنسبة لاهتمام القادة الأميركيين.
وأكد كولبي في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية، أنه لم يغير أي شيء حدث منذ الغزو الروسي البغيض لأوكرانيا مجموعة من الحقائق: وهي أن آسيا هي أكبر منطقة أسواق في العالم، وأن حصتها العالمية تتنامى. وفي منتصف آسيا، تقع الصين، التي تعتبر إلى جانب الولايات المتحدة إحدى القوى العظمى. وأصبح سلوك الصين أكثر عدائية واستبدادية بصورة متزايدة ويبدو أنه يستهدف ترسيخ هيمنة بكين على آسيا. وإذا ما حققت بكين هذا الهدف، فإن التداعيات التي سوف يسفر عنها بالنسبة لحياة الأميركيين، ستكون سيئة للغاية.
واوضح كولبي إنه لذلك يجب أن يكون منع الصين من ترسيخ هذه الهيمنة على آسيا هو الأولوية بالنسبة للسياسية الخارجية الأميركية- حتى في وجه ما يحدث في أوروبا. والحقيقة الواضحة هي أن آسيا أكثر أهمية من أوروبا، والصين تمثل تهديدا أكبر بكثير من روسيا. وبالمقارنة، يبلغ اقتصاد الصين حوالي ضعف اقتصاد أوروبا اليوم- لكن في غضون عشرين عاما من المرجح أن يبلغ أضعافا مضاعفة. وفي الوقت نفسه، يعتبر إجمالي الناتج المحلي في الصين أكبر بكثير من مثيله في روسيا.
وفي ظل استمرار التيارات الحالية، يبدو أن الصين في طريقها لتحقيق طموحات الهيمنة لديها. فالصين تقوم ببناء جيش من الواضح أن مهمته لا تقتصر على الدفاع عن أراضي بلاده. لكنه في الحقيقة سوف يكون قادرا على تمكين بكين من مواصلة تحقيق أهداف أكبر وأكثر طموحا- أولا من خلال التهام تايوان، لكن لن ينتهي الأمر عند هذا الحد. وفي حقيقة الأمر، أعلنت بكين مرارا وتكرارا وسط الضجة حول الحرب في أوكرانيا، أنها سوف تزيد إنفاقها العسكري بنسبة 7% هذا العام.
من ناحية أخرى، ورغم الحديث الكثير، أهملت الولايات المتحدة وضعها العسكري في آسيا، بينما يتخاذل الكثير من حلفائها مثل اليابان وتايوان في الحفاظ على دفاعاتهم. ونتيجة لذلك، واصل الميزان العسكري في آسيا التحول بشكل ملحوظ ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ويمكن القول بوضوح إن الصين قد تقرر مهاجمة تايوان- وإن الولايات المتحدة ستكون خاسرة.
وأضاف كولبي أن تجنب حدوث ذلك يجب أن يكون على قمة أولويات السياسة الأميركية. وهذا لا يعني أن أوروبا غير مهمة أو يتعين على واشنطن تجاهلها أو التخلي عنها. وينبغي عليها مساندة أوكرانيا بفاعلية بالأسلحة وغيرها من أشكال الدعم مع الاحتفاظ الراسخ بالناتو، رغم أن إسهاماتها أكثر تركيزا وعلى نطاق ضيق. ولكن هذا يعني بالتأكيد أن آسيا يجب أن تكون أولوية الولايات المتحدة، وبصدق وليس مجرد كلام كما كان الحال في الماضي في الغالب.
ونظرا لهذه العوامل، سيكون تحول التركيز إلى آسيا مهما بغض النظر عن نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا. وعموما، فإن الحرب في أوكرانيا ورد الفعل عليها جعلت من المستساغ بدرجة أكبر اتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا. فموسكو، رغم أنها ما زالت خطيرة، أظهرت بوضوح أن قوتها أقل صلابة مما كان يخشى الكثيرون.
ومن المرجح أن تحاول روسيا استعادة قوتها ومن المحتمل أن يتسبب تأثير العقوبات في بطء العملية و صعوبتها. وفي الوقت نفسه، نهضت أوروبا وأعلنت عن زيادات كبيرة في الإنفاق العسكري، ودعمت دفاع أوكرانيا عن نفسها، وأظهرت درجة لم يسبق لها مثيل من التلاحم في تطبيق العقوبات وغيرها من أشكال الضغط على روسيا.
والنتيجة هي أن روسيا بدت تمثل تهديدا أقل مما كان يفترض الكثيرون، بينما يبذل الأوروبيون المزيد لدعم دفاعهم. وفي الواقع، فإنه يتعين أن يجعل ذلك الولايات المتحدة أكثر، وليس أقل، استعدادا للتركيز على آسيا. وفي الحقيقة، فإنه في هذه الظروف، من الصعب فعلا فهم المنطق وراء زيادة تركيز أميركا على أوروبا.