منذ التشكيلة الحكومية الأولى، التي قدمها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول رغبته الفعلية بالوصول إلى تأليف حكومة جديدة قبل نهاية ولاية عون، خصوصاً بعد أن بادر إلى إفتعال أكثر من سجال مع "التيار الوطني الحر" في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، بالرغم من أنه يدرك جيداً أن الواقع الحالي يقود إلى تصعيب مهمته لا إلى تسهيلها.
منذ ما قبل الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، كان من الواضح أن كُلاًّ من رئيس الجمهورية أو رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل لن يتساهلا في عملية التأليف، الأمر الذي كان من المفترض أن يأخذه ميقاتي بعين الإعتبار قبل القيام بأي مبادرة على هذا الصعيد، خصوصاً أن هذا الأمر تكرر في أكثر من مناسبة.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية، عبر "النشرة"، إلى أنه قد يكون من المستغرب أن يعمد رئيس الحكومة المكلّف، المعروف بقدرته على تدوير الزوايا، إلى محاولة إشعال جبهة مع شريكه الأساسي في عمليّة التأليف، في حال كانت لديه رغبة فعلية بالوصول إلى تشكيل حكومة جديدة، نظراً إلى أنّ هذا الأمر لا يصّب في صالحه على الإطلاق، لا سيما أن ليس هناك من وقت كاف للدخول في لعبة الأخذ والرد أو الشروط والشروط المضادة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما يستحق التوقّف عنده هو أن ميقاتي لم يعمد إلى فتح أيّ جبهة أخرى مع أيّ من الأفرقاء الآخرين، الذين من المفترض أن يتمثّلوا في الحكومة الجديدة، سواء رئيس "الحزب التقدّمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط أو الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل"، بالرغم من أنّ موقف كتلة "اللقاء الديمقراطي" لا يختلف كثيراً عن موقف "التّيار الوطني الحر"، فهو أيضاً لم يبادر إلى تسميته وأعلن أنه لا يريد المشاركة في الحكومة.
في هذا الإطار، من الممكن الحديث عن أنّ الظروف الراهنة تشبه إلى حدّ بعيد الظروف التي كانت تمرّ بها عمليّة تأليف حكومة تصريف الأعمال الحاليّة قبل فترة قصيرة من ولادتها، الأمر الذي تطلب تدخّلاً دولياً يدفع الجميع إلى تقديم تنازلات ضمن توازنات محددة، لا تعطي أيّ فريق القدرة على التحكّم وحيداً بالقرارات على طاولة مجلس الوزراء.
في الوقت الراهن، توضح المصادر السياسية نفسها، أنْ ليس هناك من ضغط دولي يصب في إتجاه الدفع نحو تأليف حكومة جديدة، حيث تلفت إلى أنّ الإهتمام الوحيد في هذا المجال يأتي من الجانب الفرنسي، الذي أصدر في الأسبوعين الماضيين موقفين يؤكدان على أهمية الذهاب إلى التشكيل، بالتزامن مع التشديد على الإنتخابات الرئاسية في موعدها المحدد.
في المقابل، تشير هذه المصادر إلى أنّ الإهتمام الدولي الأساسي هو في مكان آخر، أي ملف ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي تتركها أي تطورات سلبية على هذا الصعيد، الأمر الذي يُفسر الحراك الأميركي السريع بعد حادثة المسيّرات التي أرسلها "حزب الله" باتّجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل "كاريش".
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّه في ظلّ غياب الإهتمام الدولي، بالتزامن مع عدم رغبة معظم الأفرقاء بالذهاب إلى تأليف حكومة جديدة إلا وفق شروط محددة لدى كل منهم، وجد رئيس الحكومة المكلف أن هناك فرصة حقيقية لديه، لخوض معركة مربحة شعبياً وإعلامياً، مع العلم أن التأخير في التشكيل قد يستخدم ورقة أساسية في معركة الإنتخابات الرئاسيّة المنتظرة.