ردّ سلبي متوقّع سمعه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بعدما تصرف بطريقة غير مقبولة عبر إصدار موقف رسمي اعتبر إطلاق حزب الله ثلاث مسيّرات في اتجاه حقل "كاريش" أمراً "غير مقبول وخارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي لترسيم الحدود البحرية".
وقد أبلغت جهات سياسية معنية، بحسب صحيفة "الاخبار"، رئيس الحكومة المكلف أن "ما قام به سيء جداً وغير مفهوم"، مؤكدة له أن "بإمكانه استخدام ورقة المقاومة لتقوية موقع لبنان في التفاوض، لكن ما قامَ به يضعه في خانة الخاسرين سلفاً". وعندما ردّ ميقاتي بأن "الموقف هو من باب المناورة السياسية مع الأميركيين"، قيل له إن "المناورات لها أسسها".
موقف ميقاتي جاء بعد اجتماع مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على وقع حملة تهويل أميركية. وعلمت "الأخبار" أن الأميركيين أرادوا أن يصدر بيان الإدانة عن رئيس الجمهورية ميشال عون كونه "المرجع المسؤول عن المفاوضات". وعندما لم يكن لهم ما أرادوا، سلكوا ذلِك الطريق الأسهل… نجيب ميقاتي.
وعلى قدر السخط على ميقاتي أتى استهجان موقف وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي تماهى تماماً مع الأميركيين، علماً أن أطرافاً على خصومة واضحة مع الحزب تعاملت مع الموقف "بموضوعية" كما فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اعتبر "المسيرات جزءاً من اللعبة والإسرائيلي يستبيح سماءنا يومياً".
علماً أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يكن على علم بالبيان ولم يكن راضياً عنه. وهو ما بدا واضحاً في كلام باسيل أمس، عقب اجتماع للمجلس السياسي للتيار، عندما شدّد على أن "هذا هو الوقت المناسب للبنان ليقوم بحلول ديبلوماسية عادلة له، مع استخدام نقاط القوة، ونحن لسنا ضعفاء، وعلينا الاستفادة من كامل عناصر قوتنا للمحافظة على حقوقنا".
رسالة اميركية
وعلى النقيض من كل التهويل الأميركي - الإسرائيلي العلني منذ أيام، علمت "الأخبار" أن "رسالة أميركية وصلت إلى بيروت مساء أمس تؤكّد أن الجانبين الأميركي والإسرائيلي لا يريدان التصعيد، وهما ملتزمان مسار التفاوض".
مصادر مطلعة أكّدت أن "المسيرّات التي أطلقت السبت الماضي لم تكُن العملية الأولى، بل سبقتها عملية أخرى يوم الأربعاء". وروت لـ"الأخبار" مسار الأحداث منذ الإعلان عن العملية، إذ "فقد الأميركيون صوابهم، وكثفوا اتصالاتهم للاستفسار عمّا جرى".
وبحسب المصادر، "كان الجواب بأنهم لا ينبغي أن يُفاجأوا لأن لديهم علماً مسبقاً بالموقف المعلن للمقاومة التي أكدت أنها لن تسمح لإسرائيل باستخراج الغاز ما دامَ الاتفاق لم يُنجَز بعد". وأكّدت المصادر أن إطلاق المسيّرات جاء رداً على أمرين:
الأول، الجواب الذي نقلته السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الرؤساء الثلاثة، والذي على عكس ما حاول البعض إشاعته عن أنه إيجابي ويحمِل تقدماً، رأى فيه حزب الله وعدد من المعنيين بالملف جواباً "شفهياً قابلاً لتأويلات وتفسيرات عدة"، فضلاً عن أن "الأجوبة التي أعطتها السفيرة الأميركية لم تكُن مطمئنة، ولا شيء فيها نهائياً، لا في ما يتعلق بالعودة إلى التفاوض ولا بالترسيم ولا باتفاق الإطار". وحتى في ما يتعلق بحقل قانا، "فقد قالت السفيرة إن إسرائيل لا تمانع أن يكون من حصة لبنان، لكنها تبدي ملاحظات وتعتبر أن الأمر بحاجة إلى تفاوض أكبر".
الثاني، هو محاولة الاستفزاز التي لجأت إليها إسرائيل بإضاءة "شعلة الغاز"، وهذه الخطوة تتمّ عادة للإشارة إلى بدء الاستخراج، لذا أتى الجواب بإطلاق المسيرات للتأكيد مرة أخرى على المعادلة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن التنقيب ممنوع في المنطقة المتنازع عليها قبل التوصل إلى اتفاق.
ومن الرسائل التي تصل إلى بيروت تِباعاً، إلى جانب دعوة لبنان إلى عدم التصعيد، التأكيد على أن "كل الكلام عن بدء استخراج الغاز ليسَ صحيحاً، وأن الأمر يحتاج إلى وقت إضافي حتى شهر أيلول المقبل، وهو وقت كاف لإنجاز الاتفاق". وهذا فعلياً، ما بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسويقه عبر وزارة الطاقة، التي أعلنت أن "استخراج الغاز من المنصة الواقعة في المياه الاقتصادية الإسرائيلية سيبدأ في أيلول المقبل"، نقلاً عن وزيرة الطاقة كارين الهرار التي كانت تتفقد منصة التنقيب في "كاريش"، وحذرت حزب الله من أن "أي محاولة للاعتداء على المنصة سيلاقي رداً إسرائيلياً بمختلف الأدوات المتوافرة لدينا".
يشار إلى أن جهات أوروبية تولت أيضاً خلال اليومين الماضيين نقل رسائل تحث "على ضبط النفس"، وعن ضرورة انتظار نتائج زيارة رئيس حكومة العدو يائير لابيد لفرنسا واجتماعه مع الرئيس إيمانويل ماكرون، إذ تراهن إسرائيل على دور يلعبه ماكرون مع لبنان، ومع حزب الله على وجه الخصوص لتفادي التصعيد. لكن المصادر الفرنسية لم تجب عما تتوقعه باريس من تنازلات إسرائيلية تشجع لبنان على عدم التصرف بقلق إزاء ما تنوي إسرائيل القيام به.
خسائر
وفي السياق، ذكرت "الاخبار" بان ارتفاع النقاش داخل كيان العدو انعكس ربطاً بالمهمة التي أدّتها مسيّرات المقاومة الثلاث فوق حقل كاريش، السبت الماضي، تراجعاً فشي سعر سهم شركة "إنرجين" المالكة لحقوق الاستكشاف والتنقيب والاستخراج في "كاريش" وعدد من الحقول في المياه الفلسطينية المحتلة.
الاثنين الماضي، وهو أول يوم عمل غداة عملية "المسيّرات"، لوحظ أن أسهم الشركة في بورصتَي لندن وتل أبيب لم تتأثر بالحدث. إذ ارتفع سعر السهم في بورصة لندن بنسبة 3.4% وحافظ على نوع من الاستقرار طيلة النهار. وانعكس ذلك بصورة مماثلة على التداول في أسهم الشركة في بورصة تل أبيب فسجّل ارتفاعاً بنسبة 3%. ولكن، مع افتتاح التداول في بورصة لندن أمس، تراجع سعر السهم بنسبة 6.6%، ليسجل أدنى مستوى له منذ أيار الماضي. وفي بورصة تل أبيب، افتتح التداول بانخفاض حاد بلغ 5.1%، وما لبثت أن زادت وتيرته ليخسر سهم "إنرجين" ما حققه الاثنين، مسجلاً أسوأ فترة تداول منذ أيار الماضي.
تحسن الاثنين قبل تراجع الثلاثاء يعزوه خبراء ماليون إلى "عملية الدعم المزيف" للأسهم بعد "عملية المسيرات"، للإيحاء بالاستقرار وعدم التأثر بأحداث السبت. ومثل هذه العمليات يتولاها عادة طرف ثالث يعمل على شراء الأسهم للمحافظة على سعرها. ويبدو أن الأطراف المساهمة في "إنرجين" عمدت إلى هذه العملية للإيحاء بعدم تأثرها بمسيّرات المقاومة. غير أن تطور الأمور على نحو سلبي مع ارتفاع لغة النقاش داخل إسرائيل أثّرت في عملية الدعم وأنهت مفعولها، خصوصاً أن عملية المقاومة أدت إلى نشوء نوع من "عدم الثقة بالاستثمار" نتيجة ارتفاع المخاطر الأمنية. وفي العادة، تدفع أحداث من هذا النوع بالشركات إلى الانكفاء عن العمل في المناطق التي تشهد نزاعات تؤدي غالباً إلى ارتفاع كبير في قيمة عقود التأمين، وهو ما يبدو أن الشركة واجهته عقب إطلاق المسيّرات، رغم لجوئها خلال الساعات الماضية إلى إجراءات "علاجية" لزيادة منسوب الثقة، كإعلانها أن ما جرى لم يؤثر في عملها أو على فريق العمل على متنها، مشدّدة على ثقتها بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
التراجع في قيمة أسهم الشركة أمس لا يمكن عزله عن قرار الرئيس التنفيذي لـ"إنرجين" ماثيوس ريغاس، نهاية الشهر الماضي، بيع 2.8% من حصته في الشركة بسعر يقلّ بنحو 5.6% عن أسعار السوق، ما أثار شكوكاً حول أسباب لجوء ريغاس إلى هذه الصفقة الخاسرة نسبياً، وهل ثمة خلفيات أو مخاطر أمنية تدفعه للحد من مستوى استثماره في الشركة، أم أن للخطوة غايات أخرى لها صلة بتعزيز حضور الشركات الإسرائيلية في "إنرجين" على حساب غيرها من الشركات، وبالتالي تعزيز حضورها في بورصة تل أبيب.