يتصدّر لبنان بالمؤشرات السلبية جميعها، سواء على مستوى الأوطان أو على مستوى الشعوب، او على مستوى الأزمات الإقتصادية، فما يعيشه هذا البلد لم تجرّبه أسوأ دول العالم، وهنا لا نتحدث عن السنوات الماضية فقط بل كل السنوات السابقة، التي كانت مليئة بالحروب والاحتلالات والقتل والسرقة والدمار.
مؤخراً أصبحت حالة الشعب اللبناني أسوأ، إذ نشرت مؤسسة "ستاتيستا Statista" المتخصصة في الدراسات البحثية، تقرير مؤسّسة غالوب Inc Gallup للتحليلات والاستشارات، عن العواطف العالميّة لعام 2021 المختص بقياس المشاعر، بما في ذلك مستويات الغضب، في أكثر من 100 دولة حول العالم، عن النصف الثاني من العام 2021 وبداية العام 2022، وبحسب التقرير فقد احتلّ لبنان المرتبة الأولى في قائمة أكثر الشعوب غضباً، تليه تركيا ثم أرمينيا ليأتي العراق رابعاً وأفغانستان خامساً.
يظهر الغضب في يوميات اللبناني بشكل واضح، سواء من خلال كثرة الإشكالات في المناطق، أو من خلال جرائم القتل التي عادة ما تكون في لبنان بلا سبب منطقي، يجعل من المتابعين يتساءلون عن الدوافع التي تجعل الانسان عنيفاً الى هذه الدرجة، وهو ما يفسّره المتخصص في علم النفس الاجتماعي محمد بدرا بأنه انعكاس طبيعي لما يعيشه اللبناني يومياً، مشدداً على "اننا حذرنا سابقاً واكثر من مرة أن الأزمات المتراكمة على اللبنانيين ستؤدي الى انهيار نظامهم النفسي وستخلق لهم الأمراض غير المرئية التي يكون لها تداعيات على يومياتهم.
ويضيف بدرا في حديث عبر "النشرة": "إن ثقة المواطن بدولته فُقدت جرّاء الازمة، فلم يعد يثق بالقانون أو بالنظام أو بالقضاء، وهذا ما يخلق للفرد شعوراً بعدم الأمان النفسي والوظيفي والجسدي، الأمر الذي يؤثر سلباً على علاقة الأفراد ببعضهم، وعلى علاقة الفرد مع نفسه، ممّا يزيد من شعور الغضب الّذي يصبح الحل الأمثل والأسهل لكل المشكلات التي تواجه الفرد.
دائماً ما يكون السؤال عن مصير الوضع النفسي للشخص الذي يتلقى الصدمات دون ردة فعل، وهذا واقع اللبناني الذي يمتصّها دون أي يعبّر عنها، إلى أن يحين موعد انفجارها لا إرادياً، لذلك فإنّ نسبة العنف ترتفع، والإشكالات المتنقّلة تزيد، فبحسب "الدولية للمعلومات" سُجّل في الأشهر العشرة الأولى من عام 2019، 89 جريمة قتل، بينما في الفترة نفسها من 2021 سُجل 179"، ويُتوقع بحال استمرار الوضع على ما هو عليه أن تزيد هذه الأرقام.
كذلك يؤثّر الوضع النفسي للفرد على نسب الإنتحار، خاصة لدى الفئات التي لم تتمكن من التأقلم على الوضع الجديد للشعب اللبناني الذي اعتاد على مستوى معيّن من الرفاهية في حياته، وعليه أن يتخلّى عنه اليوم بشكل كامل، وبحسب بدرا فإن التغيير بطريقة العيش يخلق لدى الفرد شعورا بالقلق الذي هو سمة الاضطرابات، وبحال لم يتمكّن من التأقلم مع الواقع الجديد فإن هذا الأمر سينعكس ازمات نفسية، ومن غير المستبعد عندها أن يتحول القلق الى هيستيريا أو الغضب الشديد، وهو ما يتحوّل بدوره الى ردّات فعل عنيفة تجاه النفس أو تجاه الآخر.