غبطة أبينا السيّد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكُلّي الطوبى: نحن إلى أين؟ هل من أفق حل أو؟!
سيّدي البطريرك ، بحكم الطاعة إنني كماروني أولاً ومسيحي ثانيًا ولبناني أولاً وأخيرًا أوجه ندائي لحضرتكم ولكل رجل دين علّه يوصل معاناة شعبنا الأليمة، التي تسبّبَتْ بها طبقة سياسية راعيتموها جميعًا وأشركتموها في صلواتكم وخاطبتمهوها من على مذبح الرب ومن على منابر الجوامع، ولكن ويا للأسف هي طبقة فاسدة مُفسدة، وقد صدق المزمور 119 الآية 22 "دحرج عنّي العار والإهانة ، لأني حفظتُ شهادتكَ"، كما صدقت الآية الكريمة "ومن أظلم ممّن إفترى على الله كذِبًا أو قال أوحيَ إليّ ولم يوحَ إليه شيءٌ" (سورة الأنعام 93/6).
سيّدي البطريرك، موارنة، مسيحيّون ومُسلمون لبنانيين نعتبر أنّ لبنان هو وطننا الأوحد ولا قوة تحميه إلاّ سلطاته الشرعية، ونحن من حيث المبدأ ننتمي إلى مجتمع كان خلوقًا متحضرًا عالمًا، إلى أنْ حكمته طبقة سياسية فاسدة لم توّفر جُهدًا لتدميره، وغبطتكم مستاؤون من تصرفاتهم كما سائر المرجعيات الروحية الأخرى على ما تُظهره لنا عندما نوفد أحدًا من قبلنا، أو عندما تسمح ظروفهم وظروفنا لإتمام لقاء مُثمر... لبنان الوطن والأرض والتاريخ والحضارة والرسالة والدولة والشعب يحتضرون ألم تُلاحظوا ذلك؟ إنْ لاحظتم وتكيّفتُم هذا أمر مُدان، وإن لاحظتم وعجزتم عن إيجاد الحلول فهذا أمر يتطّلب إعادة النظر في مقاربة الأمور بدءًا من فريق عملكم إلى إعتماد الجرأة في مقاربة المواضيع الدقيقة ...
سيّدي البطريرك، لبنان ذو الوحدة الجغرافية بخصائصه الطبيعيّة، وذو الكيان المستقل القائم بذاته وتاريخه حافل بسنوات من الإبداع الحضاري والثقافي والحرية والرسالة هو في حالة الخطر الشديد، إنّ هذا الوطن لبنان يستمّد هويته من بطولة وعظمة أبنائه الشرفاء، وليس مِمّن باعوا ضمائرهم ومن يتستّر عنهم طمعًا بمركز أو بحفنة من الأموال... إننا ملتزمون بقوميتنا اللبنانية الوطنيّة والقومية الحضاريّة، وملتزمون بإعادة الحقّ لأصحابه مهما طال الزمن، ولسنا بحاجة لأيٍ كان أنْ يُعطينا دروسًا في الصمود والبطولة والوفاء للقضايا المحقّة .
سيّدي البطريرك، كل هذه الأحداث المشكو منها وأمام ضعف الجميع من معالجتها جديًا يجعلنا نتخوّف على وطن تجتاحه جحافل غريبة، وتتمادى في بث رسائل مسمومة ولا سيّما مثل ما نسمعه هنا في بلاد الإغتراب أو في لبنان أو ربما تسمعونه "لبنان لا وجود له في التاريخ والجغرافيا"، وهو "وطن عاجز عن حماية نفسه وبالتالي نحن حُماته"، و"إنّ حدوده مصطنعة وضعها الإنتداب الفرنسي وكانت غلطة إعلان دولة لبنان الكبير"، أو ما يرد على ألسنة بعض المسؤولين (رئيس جمهورية، رئيس مجلس نوّاب، رئيس حكومة، وزراء ونوّاب...)، "إذا إنسحب حزب الله من الساحة اللبنانية وقعت الفتنة وإستبيحتْ الأرض وسادت الفوضى والأصولية..." طبعًا إنكم تسمعون يا صاحب الغبطة ويا رجال الدين الأسياد: ألم تنزعجوا ممّا ورد؟! ألم تُفاتحوا المسؤولين عن مضامين ومقاصد تلك الأقوال؟!.
سيّدي البطريرك، مخاوف الشعب اللبناني وأنا وفريق عملي في لبنان وعالم الإغتراب أحدهم، من المخطّطات الداخلية المغلّفة بغطاء دولي–إقليمي، لا تقُل شأنًا عن مخاوفنا من الأطماع الإقليمية الوافدة إلينا تحت حجة "حمايتنا من إسرائيل"، كون أصحاب هذه المخطّطات يسعون وراء مصالحهم واطماعهم ونفوذهم، ومن ثمّ بسط هيمنتهم على لبنان ذي الموقع الجغرافي والإستراتيجي المهم... إنّ كل إنفتاح وكل تغاضٍ عمّا يحصل، هو نوع من تفريط بالسيادة وكل تعاون مع أي دولة من دون المحافظة على الكيان والإستقلال ومصلحة أمّتنا اللبنانيّة العظيمة ومارونيّتنا ومسيحيّتنا ومُسلميّتنا ولبنانيّتنا هو نوع من المّسْ بالسيادة .
سيّدي البطريرك، من هنا علينا جميعًا واجب اليقظة وعدم المسايرة، وعدم إعتماد المواقف الضبابية التي باتت مكشوفة والتبصُّر بحكمة وشجاعة لإدارك ما يُحاك لنا من مؤامرات للقضاء على لبنانيتنا ووحدتنا كي لا يتمكّن من في يدهم السلطة التي تُباركونها من حين إلى آخر من القضاء علينا.
سيّدي البطريرك نحن إلى أين؟ وهل من أفق لحل ما؟ إننا بإنتظار جوابكم ولكم منا كل التقدير والإحترام، وعلى أمل التعاون إنْ رغبتم جديًّا في مقاربة صادقة وواعدة ومنقذة .
*سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، الموّدة