في التعريف العربي، فإن النجيب هو الذي يصمد في قوله او فعله او نظره، اما ميقاتي فمعناها وفق المعاجم يختلف وفق المعنى المقصود، ولكنها بشكل عام تعني المواقيت. في حالة تشكيل الحكومة الحالية، ابتعد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عن الصفتين بعد ان ابتعد عن واحدة منهما فقط في النسخة الاولى من التكليف، حيث اختار التسوية على صفة النجيب فضحّى بالقول والفعل ووجهة النظر لجهة ما كان قاله عن تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين فإذا بالوزراء اكثر تحزباً من الحزبيين انفسهم، كما لم يقرن القول بالفعل في ما خصّ برنامج عمل الحكومة سوى لناحية اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
صحيح انه لا يتحمل وحده مسؤولية هذا الابتعاد عن اهداف كان وضعها، ولكن لا يمكن نكران انه جزء اساسي من المسؤولين.
اليوم، عاد رئيس حكومة تصريف الاعمال وهو نفسه المكلف حالياً، الى سابق عهده لجهة حكومة من الحزبيين لا بل ذهب ابعد من ذلك حين قرر الابقاء على حكومة تصريف الاعمال مع بعض التغييرات. ولم يكتف باستعادة هذه الميزة، انما اتبعها بميزة ثانية وهي نسف المواقيت، فتراه غير مستعجل للتأليف على عكس ما كان عليه في المرة الاولى، رغم ان العقبات لا تزال نفسها والاشخاص الذين يتّهمهم بالعرقلة هم انفسهم ايضاً، وكان في حينه يجهد ويبذل ما في وسعه لتدوير الزوايا والحصول على دعم اقليمي ودولي للوصول الى غايته المرجوّة، وتوسيع شبكة اتصالاته المحلية لتذليل الصعوبات، فيما تراه اليوم يسير بخطى بطيئة، ويعمل على تحديد اهداف ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، حتى انه يميل الى ابقاء الاوضاع على ما هي عليه، مع محاولة واضحة لتطويق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يعتبره العائق الاكبر امامه.
هذا الواقع هو الذي يدفع ميقاتي الى عدم الاكتراث للوقت ولا للتشكيلة، انما يحاول الالتفاف على باسيل من الزاوية المسيحيّة عبر لقاءات واتّصالات يعقدها لتأمين غطاء مسيحي يعادل غياب باسيل والقوّات اللبنانيّة.
في المقابل، يردّ باسيل بتغيير استراتيجيته المسيحية، حيث يحاول ان ينسج خيوطاً مع تيّار المردة بحكم تكريس الطلاق التام مع القوات اللبنانية، ولعلمه أنه بحاجة الى ركيزة مسيحيّة خصوصاً وان بكركي بعيدة نسبياً عن توجّهاته وتكاد تكون اقرب الى ميقاتي. ليست العقبة المسيحية هي الوحيدة في مسار تشكيل الحكومة، لكنها حتماً الاهم لانها ترتبط بحسابات ما بعد الحكومة وتحديداً الفترة التي تسبق انتخاب رئيس للجمهوريّة والتي سيليها حتماً انتخاب الرئيس.
ازاء كل ذلك، يبدو من الجليّ سبب ابتعاد رئيس الحكومة المكلف عن صفتي اسمه، والتركيز على صفات اخرىظن يرى انها كفيلة بتعويمه خلال فترة دقيقة تستمر عدة اشهر تنتهي بعدها ولاية رئيس الجمهورية، وتبدأ مرحلة تولّي الحكومة التي يرأسها ولو كانت بدرجة تصريف اعمال دفّة المسؤولية الكاملة، وهو مطمئن الى العلاقة التي تجمعه برئيس مجلس النواب نبيه بري، الامر الذي يسمح له بالبقاء طوال الفترة المقبلة بغنى عن مناكفات رسميّة والدخول في معارك جانبيّة لا يعرف مصيرها، بينما سيكون التركيز على معركة اساسيّة هي معركة شدّ الحبل المسيحي والقيام بما لم يستطع النائب السابق سعد الحريري القيام به في المواجهة مع باسيل.
عجلة السياسة تدور انما على خطى الواقع الاقليمي والدولي، فيما لا يقيم احداً اي وزن حقيقي لعجلة السياسة الداخلية كونها تلعب دور المكمّل فقط للعجلة الاساسية، ودورها مهم طبعاً الا انه ثانوي ولا يمكن تحديده منذ الآن، وبالتالي فإن كل ما يتم العمل عليه داخلياً في الوقت الراهن يبقى عرضة للتغيير في الفترة المقبلة اذا دعت الظروف الى ذلك.