لفت رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران أنطوان نبيل العنداري، خلال تقديمه رسالة البابا فرنسيس الّتي أطلقها لمناسبة اليوم العالمي السّادس للفقراء، في لقاء عقد في قاعة المطران رولان أبو جودة في المركز الكاثوليكي للإعلام، إلى أنّ "البابا فرنسيس أصدر في الرّابع عَشَر مِن حُزَيران الماضي، بِمُنَاسَبَة اليَوم العالمي السادس للفُقَراء، الذي سَيُحتَفَل بِه في الثالث عَشَر مِن تِشرين الثاني القادِم، رِسالَةً بِعُنوان: "يَسوعُ المَسيح إِفتَقَرَ مِن أَجلِكُم"، بِالرُجوعِ إِلى الفَصلِ الثَامِن مِن رِسالَة القِدّيس بُولُس الثَانِيَة إِلى قٌورَنتُس".
وأوضح أنّ "البابا عالَجَ مَوضوعَ الفَقر إِنطِلاقَاً مِن وقَائعَ ثَلاثَة: بِدَايَةُ خُروجِ العالَم مِن عَاصِفَةِ جَائحَة كورونَا، الّتي يَبدو أَنّها على ارتِفاعٍ في هذِهِ الأَيام، وَاندِلاعُ الحَربِ في أُوكرانيا إِلى جانِبِ الحُروبِ الإِقليمِيَّة، والأَزمَةُ الإِقتِصادِيّة. وفي هذِهِ الحالاتِ الثَلاثِ تَتَكَرَّرُ المَآسي، ويَزدادُ عَدَدُ الفُقَراء بِالمَلايين. فَكُلَّما طالَ أَمَدُ هذِهِ المَآسي إِشتَدَّت عَواقِبُهَا".
وشدّد المطران العنداري على أنّ "كَم مِنَ الفُقَراءِ تُخَلِّفُ هذِهِ المَآسي، هِجرَةً وَتِهجيراً، نُزوحاً وَلُجؤً. في هذِهِ المَواقِفِ الصَعبَة، يَتَوَقَّفُ العَقلُ أَمامَ استِئصالِ أَو فَرضِ هَوِيَّةٍ تُذَكِّرُ. في هذا السِيَاقِ المَليءِ بِالتَناقُضات، يَأتي اليَومُ العالَمي السادس لِلفُقَراء معَ الدَعوَةِ المَأخوذَة مِن الرَسولِ بُولُس لإِبقَاءِ نَظَرِنَا مُثَبَّتَاً على يَسوع الذي " افتَقَرَ لأَجلِنَا وَهُوَ الغَنِيُّ لِنَغتَنيَ بِفَقرِه ".
وركّز على أنّ "لا شَكَّ أَنَّ التَضامُنَ يَتَطَوَّرُ، وَيَزدادَ الشُعورُ الجَماعي والشَركَة كَأُسلوبِ حَياة"، مشيرًا إلى أنّ "البابا أضاف في رِسالَتِه: نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ المُشكِلَةَ لَيسَت بِالمالِ بِحَدِّ ذاتِه، لأَنَّهُ جِزءٌ مِن حَياةِ النَاس اليَومِيَّة وَعَلاقاتِهِم الإِجتِماعِيَّة، بَل ما نَحتاجُ إِلى التَفكيرِ بِه هَوَ القِيمَةَ التي نَجعَلُهَا لِلمال. لا يُمكِنُ أَن يُصبِحَ المالُ شَيئَاً مُطلَقَاً، كما لَو كانَ الغَايَةُ الرَئيسِيَّة. مِثلَ هذا التَعَلُّق يَمنَعُنَا مِنَ النَظَرِ بِشَكلٍ وَاقِعِيٍّ إِلى الحَياةِ اليَومِيَّة، وَيُشَوِّشُ نَظَرَنَا، ويَمنَعُنَا مِن رُؤيَةِ حاجاتِ الآخَرين. وَمِن جِهَةٍ أُخرى لَيسَ الأَمرُ أَن نَتَّخِذَ مَوقِفَ الإِعالَة وَنَخلُقَ الإِتِّكَالِيَّةِ لَدى الفُقَراء، كما يَحدُثُ غَالِبَاً، بَل مِنَ الضَروري أَن نَلتَزِمَ الأُخُوَّةَ حتى لا يُوجَدُ أَحَدٌ يَنقُصُهُ ما هَوَ ضَروري".
واعتبر أن "هُناكَ مُفَارَقَةٌ يَصعُبُ قَبولُهَا اليَومَ كما في الماضي، لأَنَّهَا تَتَعَارَضُ معَ المَنطِقِ البَشَريّ: وَهِيَ الفَقرُ الذي يَجعَلُكَ غَنِيّاً. أَي أَنَّ الغِنى الحَقيقي لَيسَ في تَجميعِ " كُنوزِ في الأَرض، حَيثُ يُفسِدُ السُوس، وَيَنقُبُ السارِقون" (متى6: 19)، بَل في المَحَبَّة المُتَبَادَلَة التي تَجعَلُنَا نَحمِلُ أَعبَاءَ بَعضِنَا البَعضَ حتى لا يَبقى أَحَدٌ مَتروكَاً أَو مُبعَداً. تُبَيِّنُ لَنا رِسالَةُ يَسوع الطَريقَ وَتَجعَلُنَا نَكتَشِفُ أَنَّ هُناكَ فَقرٌ يَقتُل، وَهُناكَ فَقرٌ، هَوَ فَقرُ يَسوع، يُحَرِّرُنَا وَيَجعَلُنَا مُطمَئنّين".
كما رأى العنداري أنّ "الفَقرُ الذي يَقتُل هُوَ الشَقاءُ الذي يُوَلِّدُهُ الظُلمُ وَالإِستِغلالُ وَالعُنفُ وَتَوزيعُ المَوارِد الظَالِم. إِنَّهُ فَقرُ اليَأس، بِلا مُستَقبَل. أَما الفَقرُ الذي يُحَرِّر فَهُوَ الذي يَقِفُ أَمَامَنَا كَخَيارٍ مَسؤولٍ لِلتَخفيفِ مِن ثِقلِ الأُمورِ الثَانَوِيَّة وَالتَركيز على الأَساسي"، مبيّنًا "أنّنا إِذا أَرَدنا أَن تَنتَصِرَ الحَياةُ على المَوت، وَأَن تَتَحَرَّرَ الكَرامَةُ مِنَ الظُلمِ، فَإنَّ الطَريقَ هُوَ في اتِّبَاعِهِ: هُوَ أَن نَتَّبِعَ فَقرَ يَسوعُ المَسيح، وَنُشَارِكَ الحَياةُ مِن أَجلِ المَحَبَّة، وَنَكسِرَ خُبزَ حَياتِنَا معَ الإِخوَةِ وَالأَخَوات. وَيَتِمَّ بِالتَالي تَحريرُ الفُقَراءِ مِنَ البُؤسِ، وَالأَغنِيَاءِ مِنَ الغُرورِ وَالبَاطِل، وَكِلاهُمَا بِلا رَجاء".
من جهته، أشار وزير الشّؤون الاجتماعيّة في حكومة تصريف الأعمال هجتور الحجار، بـ"الرّسالة الإنسانيّة الّتي يقوم بها العلمانيّون"، لافتًا إلى أنّها "النّور الّذي يواجه الشّرّ في العالم من خلال بشارة القائم من بين الأموات". وأكّد أنّ "من السّهل أن نكون في صومعتنا وبيتنا وأن أناضل، ولكن الأصعب أن أكون في العالم وبين مغرياته" .
وشدّد على "أنّني فرِح أن أرى عشرات ومئات وآلاف من العلمانيّين المسيحيّين يناضلون في السّياسة والعمل الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى الدّولة بالإدارات، ويشهدون لقيامة المسيح من بين الأموات، فهذا هو العمل الجبّار؛ يتحمّلون مسؤوليّات مؤسّسات ويحاسبون أنفسهم ومؤسّساتهم".