على ضوء السجالات الداخلية التي تزداد يوماً بعد آخر، حول العديد من الملفات الخلافية، سيكون لبنان، في الأشهر المقبلة، على موعد مع إستحقاقين بارزين، يتحدد على ضوئهما المسار الذي ستسلكه الأزمة التي تفاقمت منذ العام 2019 بشكل سريع.
في الفترة الفاصلة، يبدو أنّ الجميع يسعى إلى تجميع أوراق قوته، على قاعدة أن هذا الأمر يساعد في زيادة القدرة على التأثير في هذين الإستحقاقين، لكن من الناحية العملية مفتاح الحل أو التصعيد هو خارجي بالدرجة الأولى، بينما قدرة اللبنانيين على التأثير، باستثناء "حزب الله"، تبدو شبه معدومة.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ حالة المراوحة اللبنانيّة تتوقّف على المسار الذي سيسلكه ملفّ ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، نظراً إلى أنّ هذا الملفّ بات محصوراً بالمدّة الزمنيّة التي سبق أن حدّدها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وبالتالي الأسابيع القليلة المقبلة، الفاصلة عن بداية شهر أيلول، من المفترض أن تحمل معها مؤشّرات حاسمة على هذا الصعيد.
من وجهة نظر هذه المصادر، ليس هناك على المستوى المحلّي من يملك معلومات حاسمة حول ما يمكن أن يكون عليه الردّ الإسرائيلي، نظراً إلى أنّ الأمور لا تزال خاضعة لما يمكن أن يحصل عبر المشاورات والإتصالات التي يقوم بها الجانب الأميركي الوسيط، من دون تجاهل الدور الذي تقوم به بعض الدول الأوروبية على هذا الصعيد، لا سيما أن بلدان القارة العجوز معنيّة، أكثر من غيرها، بالوصول إلى تسوية في هذا الملف.
في هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها، بناء على التهديدات التي كان قد أطلقها السيد نصرالله، إلى أنّ المعادلة في هذا الملف باتت محصورة بين سيناريوهين: الذهاب إلى التسوية أو الذهاب إلى التصعيد، وتشير إلى أنّ فرص كلاهما قائمة بقوة، خصوصاً في ظل الصورة الضبابية على المستويين الإقليمي والدولي، حيث لا يمكن الجزم بتقدّم أيّ منهما على الآخر، بالرغم من أن البعض يعتبر أن فرص التسوية لا تزال أكبر.
بالإضافة إلى هذا الملفّ الحساس، يبرز إستحقاق الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة، الذي من المفترض أن يحضر بقوة أكبر بعد الإنتهاء من ترسيم الحدود، إلاّ إذا كان الأخير قد سلك المسار التصعيدي، الّذي من الممكن أن يقود إلى مواجهة عسكريّة، لكن اللافت هو سعي بعض الأفرقاء للذهاب بعيداً في لعبة وضع السباق إلى الرئاسة الأولى ضمن إطار مواجهة، ما سيقود حكماً إلى حرق الأسماء التي يتم التداول بها.
على هذا الصعيد، تتوقف مصادر نيّابية، عبر "النشرة"، عند الرسائل التي تضمّنتها مواقف الناطق بإسم الخارجيّة الأميركية نيد برايس، أول من أمس، لا سيما تلك المتعلقة بدعوة القادة اللبنانيين لتشكيل حكومة قادرة وملتزمة بتطبيق الإصلاحات، بعد أن كان الجميع يظن أن هذه الحكومة باتت خارج إهتمامات مختلف اللاعبين المحليين والدوليين، في ظلّ العلاقة المتوتّرة بين الفريقين الأساسيين المعنيين بعملية تأليفها، أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي.
في قراءة هذه المصادر، هذه الدعوة قد تحمل في طياتها تأكيد على صعوبة إنجاز الإستحقاق الرئاسي في موعده، نظراً إلى أنّ الوصول إلى إنتخاب رئيس جديد يتطلب توافقات دولية وإقليمية غير متوفرة في المرحلة الراهنة، في ظل حالة الإنقسام القائمة بسبب الحرب في أوكرانيا وعدم الوصول إلى إتفاق حول الملف النووي الإيراني بين واشنطن وطهران، الأمر الذي قد يدفع الملفّ الحكومي إلى الواجهة من جديد، رغم صعوبة الوصول إلى تفاهم حوله في ظلّ الشروط الموضوعة من قبل كافة الأفرقاء.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ الأمور في لبنان متوقّفة على مرحلتين: الأولى تلك المتعلّقة بملف ترسيم الحدود، حيث تشير إلى أنّ التسوية تفتح الباب أمام الوصول إلى المرحلة الثانية، أيّ تلك المتعلّقة بالإستحقاق الرئاسي ضمن إحتمالين: الوصول إلى تسوية تقود إلى إنتخاب رئيس جديد، أو الدخول في فراغ غير محدّد المهلة، أما بحال عدم الإتفاق في الملف الأول فإنّه من الصعب توقّع إنتخاب رئيس جديد في المدى المنظور.