تحاصر الازمات السياسية والاقتصادية والمعيشية لبنان من كل حدب وصوب، ويترقب اللبنانيون باهتمام كبير الاستحقاقات المرحليّة والقادمة لجهة تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة نجيب ميقاتي وانتخابات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية عهد الرئيس ميشال عون، لعلها تحمل لهم طوق نجاة من الغرق او الخروج من النفق المظلم قبل الارتطام في الانهيار الكبير.
هذه الازمات الخانقة، لم تمنع لبنان من المضي قدما في بلسمة جراح اللاجئين الفلسطينيين، حيث تداعياتها اشد وأكثر تأثيرا، خاصة بعدما كشف آخر إحصاء فلسطيني غير رسمي، بأن أكثر من 80 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، باتوا تحت خط الفقر المدقع، فيما تحاول وكالة "الاونروا" الحفاظ قدر الإمكان على تقديم خدماتها الأساسية وسط مخاوف جدية من تقليصها وتراجعها الى ادنى مستوى نتيجة العجز المالي.
وفي خطوة جديدة، لها دلالاتها السياسية والانسانية، اكّدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"،أن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني برئاسة الدكتور باسل الحسن، تسعى لتشكيل"لجنة من الوزارات اللبنانية المعنية بالشأن الفلسطيني وخاصة الخدماتية منها مثل "الصحة، التربية والتعليم، العمل والشؤون الاجتماعية"، استكمالا للدور اللبناني في دعم الاونروا لسدّ العجز المالي في اعقاب اجتماع اللجنة الاستشارية التي عقدت في بيروت منتصف الشهر الماضي حزيران.
ويؤكد ممثل "حركة الجهاد الإسلامي" في لبنان إحسان عطايا، أن "هذه اللجنة ستكون مرجعية معروفة لدى الفصائل الفلسطينية، وصلة الوصل بينها وبين الوزارات المعنية بقضايا اللاجئين الفلسطينيين، مثل العمل والتربية وغيرهما"، مشيرا إلى أن "لجنة الحوار سوف تنظم لقاءً تعارفياً بين اللجنة الوزارية وهيئة العمل الفلسطيني المشترك" خلال الفترة القادمة".
ومنذ سنوات، انجزت الدولة اللبنانية ثلاث خطوات في الاتجاه الفلسطيني دون ان تصل الى خواتيم النهائية، في اقرار تشريعات ضرورية تمنح اللاجئ حقوقه المدنية والاجتماعية والانسانية، وبقي التعامل مع امور عدّة مدار خلافات داخلية من جهة، والانقسام الفلسطيني رغم اعتبار الساحة الفلسطينية استثنائية وتتطلب الوحدةمن جهة أخرى، وهي بقيت تراوح مكانها بانتظار الظروف الملائمة:
1-تأسيس "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" برئاسة السفير خليل مكاوي (13 تشرين الاول 2005) بموجب القرار رقم 89/2005 الصادر عن مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة وحدد اولى مهمتها، معالجة المسائل الحياتية والإجتماعية والإقتصادية والقانونية والأمنية داخل المخيمات وللفلسطينيين المقيمين في لبنان بالتعاون مع وكالة "الاونروا"، وقد رأت فيها القوى الفلسطينية خطوة على طريق الألف ميل، بعدما أصبح حرمان الفلسطينيين من حقوقهم هو القاعدة وغير ذلك استثناء.
2-انجاز "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، الذي أجرت "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" بالشراكة مع إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطينيفي (21 كانون الاول 2017)، والذي حسم بأن العدد الفعلي للاجئين الفلسطينيين في لبنان يبلغ 174422ألف شخص فقط، وليس نصف مليون، بينها 114106 فقط في المخيمات، موزعين على 55473 عائلة، وبلغ متوسط حجم الأسرة 4 أفراد، وتصنف تلك الأسر 3707 الزوج فلسطيني لاجئ والزوجة لبنانية، 1219 الزوج لبناني والزوجة فلسطينية لاجئة.
3-اطلاق "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" "رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان"، (20 تموز2017)، ترجمة لوثيقة سياسية أعدتها "مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، والتي تضم ممثلين عن مختلف الكتل النيابية في مجلس النواب اللبناني بالتنسيق والتعاون مع "اللجنة" حول القضايا التي تتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وعقدت "مجموعة العمل" أكثر من 50 اجتماعا منتظما شهدت حوارا معمقا وصريحا حول الجوانب المعقدة من هذا الملف من أجل التوصل إلى صياغة نص شامل بهدف تزويد الدولة اللبنانية ومؤسساتها بتوجيهات وطنية ثابتة ومستمرة حيال اللاجئين وقضيتهم.وانطلقت من الحرص على معالجة المشكلات التي يعانيها الفلسطينيون في لبنان كدولة مضيفة على الصعد المعيشية والاجتماعية والخدماتية، ولجهة علاقاتهم مع مؤسسات الدولة، وذلك بعد مضي قرابة الـ 70 عاما على وجودهم في لبنان.
ويأمل اللاجئون الفلسطينيون اليوم ان تكلل جهود اللجنة الوزارية بالنجاح، وتستطيع تحقيق أهدافها بتخفيف معاناتهم في المخيمات على اعتبارهم عامل أمن واستقرار في لبنان، بعيدا عن اي انفجار اجتماعي في ظل الازمات الخانقة، سيما وان التحديات المستقبلية كثيرة وخطيرة وأبرزها المساعي الدولية لانهاء وكالة "الاونروا" وتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة وصولا الى التوطين او التهجير.
يذكر ان العجز المالي الذي تعاني منه "الاونروا" يبلغ نحو 100 مليون دولار، وقد اقترح المفوض العام فيليب لارزايني نقل جزء من خدمات الوكالة الى مؤسسات أمميّة شريكة تحت هذه الذريعة، الامر الذي لاقى رفضا فلسطينيا قاطعا رسميا وسياسيا وشعبيا لانه يؤدي الى ضرب تفويضها وانهاء عملها تدريجيا، على اعتبارها الشاهد الحي على نكبة فلسطين وحق عودة اللاجئين وفق القرار الدولي 194.