توقع البنك الدولي في تقريره الأخير ارتفاع مخاطر الركود التضخّمي في خضمّ التباطؤ الحادّ في وتيرة النمو، وتوقّع مديره ديفيد مالباس "انه سيصعب على كثير من البلدان تجنّب مخاطر الركود: "هذا بالفعل ما يحصل على صعيد العالم حيث الاجواء غير مريحة والاسعار الى ارتفاع. فكيف بالأحرى لبنان الذي يعاني من أخطر وأقسى الأزمات في التاريخ الحديث، وقطاعاته تتداعى الواحدة تلو الأخرى؟ خصوصا إذا أقرّت زيادة الأجور.
ان سبب التضخم العالمي يقول مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني "هو الضخ النقدي الذي قامت به العديد من الدول بسبب أزمة كورونا حين حجر الناس وتوقف الاقتصاد عن العمل، وبالتوازي طلبت الحكومات من المصارف المركزية ان تموّلها عن طريق ضخّ عملة في السوق.
اذن هذه المساعدات جاءت من أموال تمّ طبعها، هذا هو السبب الأساسي، ونحن ندفع ثمن هذه السياسات التوسعيّة، فان هذه الأموال استخدمها الناس لطلب سلع وخدمات أكثر،والطلب المرتفع يؤدّي الى تضخم. ويتابع مارديني عبر "النشرة" انه بالتوازي لدينا أزمة ما يسمى "سلسلة التوريدات"بمعنى ان الطلب المرتفع لا يتلاقى مع إنتاج موازٍ،إذ لم يزد الإنتاج وعدم القدرة على زيادته احد أسبابه جائحة كورونا.
وبما أن الصين تصنّع للعالم بأسره، فجميع الشركات العالمية لديها مصانعها فيها، وهي قادرة على تلبية حاجات السوق، وبالتالي هذه تعتبر مشاكل في سلسلة التوريدات مع وجود طلب مرتفع وقد عمدت العديد من الدول الى طباعة العملة بشكل كثيف ما أدّى الى رفع الأسعار.
ويلفت مارديني الى ان الأمر الذي فاقم هذا التضخم هو الحرب بين روسيا واوكرانيا التي أدّت الى مشكلة في ارتفاع أسعار النفط والمواد الأوليّة عالميا، وهذا فاقم المشكلة اكثر.
وردّا على سؤال عن التأثيرات على لبنان؛ أوضح مارديني اننا نستورد 80% ممّا يستهلكه السوق، وبالتالي فان كلفة الإستيراد سترتفع بالفريش دولار، خصوصا أن لدينا ازمتان، أولا بخسارة العملة الوطنية لقيمتها، وثانيا فان الشراء بالفريش دولار سيرتفع بسبب التضخم العالمي. واذا نظرنا الى السلع المستوردة حديثا ستكون أسعارها اعلى. بمعنى آخر فان كل الاسعار الى ارتفاع في لبنان مما يكبّر حجم الأزمة المعيشية التي نعيشها راهنًا.
من جهته الخبير الاقتصادي د. لويس حبيقة يشدّد على ان المشكلة ناتجة عن الحرب في اوكرانيا، اي بتوقف تصدير الغاز والنفط والحبوب، موضحًا أن "ما يجري راهنا من توقيع اتفاق لتصدير الحبوب الاوكرانيّة يدل على أهميّة هذا الموضوع"، ويشير عبر "النشرة" الى ان العالم لم يكن يقدّر اهميّة روسيا واوكرانيا في التصدير الامدادات العالميّة، وعزا ارتفاع الاسعار للحرب الجارية بين روسيا واكرانيا.
ويتابع حبيقة انه مع التصاعد بالأسعار بدأت المصارف المركزيّة العالميّة برفع الفوائد لا سيّما في الولايات المتحدة واوروبا وهنا بدأت المشكلة والمخاوف من الوقوع في ركود، لان الناس لن تقدم على القروض مما سيؤدّي حتمًا الى انحدار الاقتصادات العالميّة، وسينعكس هذا الموضوع حتمًا على لبنان بدءًا من البنزين وصولا الى الغذاء وغيرهما.
وحذّر حبيقة من مغبّة زيادة الرواتب لأنّنا نفاقم بذلك التضخم بسبب عدم الانتاج اي كأننا لم نفعل شيئا، لافتا الى أن الحل برأيه ان يعود البلد الى العمل، "فاذا اعطيت مساعداتخلال هذا الوضع يجب زيادة الانتاجية كي نتحرك، وبغير ذلك من الصعوبة زيادة الاجور بشكل يستفيد منه العامل".
ومعتبرًا أن الحل هو سياسي، مع رئيس جمهورية جديد وحكومة جديدة والبدء بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد ومع صناديق اخرى عربيّة، وبحسب حبيقة لن نشهد ايجابيات قبل آخر السنة، مما يعني اننا حتى ذلك الحين نحن نهدر وقتا مكلفا جدا للأسف، حيث ستكون الخسائر كبيرة مع وجود مأزق في ايجاد حلول والسير بها.