على الرغم من كل الطروحات الرئاسية، التي يذهب إليها بعض الأفرقاء في المرحلة الراهنة، يبدو أن النقاش الجدّي لم ينطلق بعد، نظراً إلى أن الجميع يترقب النتائج التي من الممكن الوصول إليها على مستوى ملف ترسيم الحدود البحرية، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على أي سيناريو من الممكن أن يذهب إليه هذا الملف.
من حيث المبدأ، بات من المعروف أن الحسم، على مستوى مفاوضات ترسيم الحدود، من المفترض أن يحصل قبل شهر أيلول، أي الشهر الذي من المتوقع أن تنطلق فيه جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إلا أن ما ينبغي التوقف عنده هو عدم ذهاب فريقين أساسيين، أي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، في الإستحقاق الرئاسي إلى الكشف عن أوراقهما حتى الآن.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس التيار النائب جبران باسيل تعمّد، قبل أيام، أن يبقي الأبواب مفتوحة على كافة الإحتمالات، بالرغم من أنّه أرسل إشارات سلبيّة بالنسبة إلى تبني المرشّحين البارزين، أيّ رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجيّة وقائد الجيش العماد جوزاف عون، بينما كان أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله واضحاً، أول من أمس، بالإشارة إلى أن الحزب لن يكون لديه مرشحاً، بل سيدعم أحد المرشحين لهذا المنصب.
هذا الواقع، بالنسبة إلى المصادر نفسها، يعني أن الطبخة الرئاسيّة داخل قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" لم تنضج بعد، الأمر الذي من المفترض أن يكون مدار بحث أوسع في الفترة المقبلة، للإتفاق على إسم موحد يخوض فيه هذا الفريق السباق الرئاسي بالرغم من الخلافات بين أركانها، مع العلم أن إستمرارها قد يعزز فرص المرشح الذي من الممكن أن تتفق عليه الكتل المعارضة، خصوصاً أن هذه الكتل، رغم التباينات، تتّفق على عدم تقديم أيّ هديّة مجانية لصالح الفريق الآخر.
في هذا الإطار، بدأت بعض الأوساط السياسية المحلّية تتخوف من النتائج التي من الممكن أن تترتب على أيّ إتفاق حول ترسيم الحدود، على قاعدة أن حصول ذلك سيعزز أوراق "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" الرئاسيّة، فالحزب لعب دوراً أساسياً في دفع الجانبين الأميركي والإسرائيلي من خلال المعادلات التي طرحها إلى التحرك، بينما التوقيع على الإتفاق، في حال حصوله، سيكون قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.
من وجهة نظر المصادر المتابعة، النقاش الجدّي في الملفّ الرئاسي سينطلق في بداية شهر أيلول، لكنها باتت ترجّح سيناريو الذهاب إلى الفراغ، بسبب عدم بروز أيّ إهتمام من قبل الأفرقاء الإقليميين والدوليين المؤثرين، نظراً إلى إنشغال معظمهم بملفات أكثر أهمية بالنسبة لهم من الملف اللبناني، الأمر الذي قد يقود إلى المزيد من التشنّجات والتصعيد على الساحة المحلّية، وهو ما كانت بوادره قد بدأت بالظهور في الأيام الماضية.
وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ الجميع بات يدرك أنّ الحفاظ على الحدّ الأدنى من الإستقرار المحلّي مطلوب دولياً، وهو ما يمكن الإستدلال عليه من خلال الإستمرار في تقديم المساعدات الخارجية إلى الأجهزة العسكرية والأمنية، لكنها في المقابل تشير إلى أن معالجة الأزمة اللبنانية تتطلب أبعد مما يمكن أن ينتج عن تسوية رئاسية، قد تحصل في وقت قريب وقد لا تحصل ضمن مهلة معقولة، فالجميع يدرك جيداً أن المطلوب هو الذهاب إلى مؤتمر حوار قادر على إعادة إنتاج آليّة الحكم وعلى تأمين التوافق حول بعض الملفات الهامة.
في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّه كان من المتوقع أن ينطلق التحضير لهذا المؤتمر بعد الإنتهاء من الإستحقاقات الإنتخابية الماضية، لكن هذا الأمر لم يحصل لا بل أن الجهة المعنية، أيّ فرنسا، أعطت أكثر من إشارة إلى عدم وجود أيّ بحث جدّي في هذه المسألة حالياً، وهو ما تعتبر أنه يعود إلى أن أي خطوة من هذا النوع باتت أيضاً تتوقف على الإنتهاء من ملف الترسيم.