أشارت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان نجاة رشدي، في مقال، الى أنه "عندما مزّق الانفجار المدمّر مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، كان قد مضى على تسلُّمي مهماتي ومنصبي الجديد منسقة مقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان 3 أيام فقط. كنتُ في المنزل، أتصفَّحُ التقارير والملفات التي تم تزودي إياها تحضيراً لمسيرتي المهنية الجديدة في بلدٍ لطالما تمنّيتُ أن أعمل فيه ولخدمة شعبه الرائع".
ولفتت رشدي، الى أن "الانفجار هزّ الهائل مدينة بيروت الجميلة، فأودى بحياة ما يقرب من 200 شخص، فيما أصيب الآلاف بجروح ودُمِّرَت أحياء بالكامل. لقد كان انفجار مرفأ بيروت مفصلياً للبنان، لشعبه، ولكن أيضاً لي. لا تزال أصداء هذه الفاجعة تدوّي على رغم مرور عامين عليها، حيث تسعى البلاد جاهدة إلى إيجاد طريق للوصول إلى العدالة والخروج من مأساة طالت كل شخص في لبنان وفي الخارج".
وذكرت أنه "خلال زياراتي الميدانية المتعددة، استمعتُ إلى قصص الناس المُفجعة، قصص عن خساراتهم وآلامهم ومعاناتهم. ربما أحد الأمور التي أثّرت في نفسي بشدّة والتي تستخلص ما لمسته خلال مسيرتي في لبنان، هي رؤية الناس أثناء تجوالي في مدينة بيروت في أعقاب الانفجار وهم يبذلون قُصارى جهدهم لمدّ يد العَون للجرحى والمتضرّرين من هذه الكارثة في أحياء بيروت الأكثر تضرراً. إنهم قُدوَة المجتمع، ومِثال التّضامن والوحدة الوطنيّة".
وورأت أن "هذا التضامن أظهره أيضاً المجتمع الدولي الذي أسمّيه (أصدقاء لبنان)، بحيث لمسنا الدّعم الفوري المتدفّق من مختلف أنحاء العالم. أود أن أعبّر عن جزيل الشكر والتقدير لوقوفهم دوماً إلى جانب لبنان وشعبه، ولثقتهم المشكورة ودعمهم الثابت. لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، لكن في وسط الظلام الدّامس الذي أحاط بالبلاد، نجَحَت إنسانيّتنا المشتركة، ومعاً أبقينا بصيص الأمل في نهاية النّفق. أملي أن تستمروا، يا "أصدقاء لبنان"، في المثابرة في الضغط والدعوة من أجل قضايا الناس الوجيهة".
وأوضحت رشدي، أننا "نضطلع جميعاً بمسؤولية مشتركة للحفاظ على استقرار لبنان ودعم تعافيه حتى ينعم شعبه، في نهاية المطاف، بالازدهار والسلام والتنمية المستدامة. فالتضامن هو أفضل ما في إنسانيّتنا، إذ ليس له أي دين، أو جنس، أو جنسية، أو أجندة سياسية. إنه السبيل الوحيد للمضي قُدُماً في مسار تحقيق تعافي لبنان. في الواقع، طوال مسيرتي المهنية في لبنان التي امتدّت عامَين متتاليين، أظهرت إنسانيتنا المشتركة، سواء عبر الاستجابة لانفجار مرفأ بيروت، أو لجائحة كورونا، أو للأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرّة، أننا قادرون على القيام بأمور عظيمة، ولكن فقط عندما نعمل معاً بقلبٍ واحد وعزيمةٍ واحدة".
واعتبرت أن "لا شك في أنّ تعافي لبنان يقع على عاتق الدولة اللبنانية ويعتمد بشكل كبير على إرادتها السياسية والتزامها تنفيذ الإصلاحات الملحّة. ومعلومٌ أنّ الحكومات تعمل بشكل أفضل عندما تسترشد بعقدٍ اجتماعي يأخذ أصوات جميع فئات المجتمع في الاعتبار. وهذا أمر ضروري وفي غاية الأهمية في سياق لبنان. فشعب لبنان يريد أن تكون حقوقه وحرياته الأساسية مُحترمة، ويودّ أن يكون له رأي في القرارات التي تؤثر على حياته، ويرغب بشدّة في أن يتمتّع أبناء المجتمع اللبناني بحقوق متساوية وتمثيلٍ متساوٍ في صنع السياسات العامة والخاصة كما هو منصوص عليه بصورة جليّة في الدستور اللبناني".
وأكدت أن "الحفاظ على استقرار لبنان وازدهاره يصبّ في مصلحة الجميع. فجمال لبنان يرتكز على شعبه، كما تزدهر البلاد بتنوّعها وتعايشها وثرائها وغنى رأس مالها البشري. وفي مساعينا الجماعية الرامية إلى المساعدة على معالجة أزمة لبنان المتعددة الأوجه ورسم مستقبل يضمن قدراً أكبر من الإنصاف، والعدالة، والفرص، ويصون كرامة الجميع، أعتقد أنّ لبنان قد قدّم درساً قيّماً للإنسانية. وعليه، يمكنني القول بحزمٍ وعزم إنّ الإنسانية تحتاج إلى لبنان".