في الأسبوع الماضي، فتح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع المعركة الرئاسيّة على مصراعيها، محدّداً الخطوط العريضة لهذه المواجهة التي يراهن عليها منذ اليوم الأول لبروز نتائج الإنتخابات النيابية، الأمر الذي كشف عنه بشكل حاسم عند الإعلان عن موقف حزبه، من الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف.
منذ ذلك الوقت، كان هناك شبه إجماع بين القوى السياسية على أن توازنات المجلس النيابي الحالي لا تسمح لأيّ فريق بإنتخاب رئيس الجمهورية، بغض النظر عن مواقف باقي الأفرقاء، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانيّة الذهاب إلى تسوية تعزّز خيار الرئيس الوسطي، على إعتبار أن سيناريو الفراغ يتضمن مجموعة من المخاطر، التي قد تمنع أيّ فريق من الذهاب إليه، كما حصل قبل إنتخاب رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الكثير من علامات الإستفهام كانت تُرسم حول إحتمال أن تذهب قوى الثامن من آذار إلى هذا السيناريو، على إعتبار أنّ القوى الأخرى قد لا تفضل الذهاب إلى ما كانت تنتقد الفريق الآخر بسببه، لكن "القوات" لم يتأخر في التلويح بهذه الورقة، بحال كانت ستقود إلى منع وصول مرشح من صفوف الفريق الآخر، على قاعدة أن المطلوب، من وجهة نظره، الإتفاق بين الكتل النيابية المعارضة على مرشح واحد (أكثر من 65 نائباً)، وإلا الذهاب إلى تعطيل جلسات المجلس إلى حين الوصول إلى إتفاق على إسم الرئيس المقبل (ما يقارب 42 نائباً)، ضمن شروط محددة مسبقاً.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ رسالة رئيس "القوات" سمير جعجع إلى نواب المعارضة، أمس، تصب في هذا الإتجاه، نظراً إلى أنّ الرجل يريد أن يرمي الكرة في ملعب هؤلاء للإتفاق على إسم، قبل الإنتقال إلى الخطّة البديلة التي قد يكون الإتفاق عليها أصعب من الإتفاق على الخطّة الأساس، نظراً إلى أن العديد من النواب قد لا يكونوا في وارد الذهاب إلى خيار التعطيل، بالنظر إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتّب على ذلك.
على الضفّة المقابلة، لا يبدو أنّ البحث الجدّي في هذا الملف قد بدأ حتى الساعة، خصوصاً أن "حزب الله"، الفريق الأساسي الذي يمكن وصفه بـ"المايسترو"، منشغل بملفات أكثر أهمّية، أبرزها ترسيم الحدود البحريّة في إسرائيل، بعد أن كان قد ذهب إلى رسم معادلات جديدة على هذا الصعيد، مع العلم أنّ هناك من يربط بين الملفين.
في هذا السياق، تشير المصادر المتابعة إلى أنّ إسم رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية لا يزال يتقدم على سواه داخل هذا الفريق، إلا أنّ هذا الأمر يتطلب تفاهماً، مع "التيار الوطني الحر"، لا يبدو سهلاً في الوقت الراهن، خصوصاً مع عودة بعض الجهّات داخل التيار إلى التأكيد بأن فرص رئيسه النائب جبران باسيل لا تزال قويّة، بينما أيّ تنازل، من الممكن أن يقدم عليه لصالح فرنجيّة، يتطلّب أثماناً لن يكون من السهل على رئيس "المردة" أو على القوى التي تدعمه الموافقة عليها.
في ظلّ هذه الوقائع، لا تستبعد هذه المصادر أن يعود أركان هذا الفريق إلى سلاح المقاطعة، في حال دعت الحاجة إلى ذلك، نظراً إلى أنّه لا يمكن تصور مرور المعركة الرئاسيّة من دون الحصول على ضمانات مسبقة، لا سيّما إذا ما كانت المفاوضات القائمة بين القوى المعارضة قد تقدّمت، مع العلم أنّ تأمين ما يقارب 42 نائباً، للذهاب إلى هذا السيناريو، لن يكون من الصعب عليها، في ظلّ وجود كتلة نيّابية صلبة يمكن الرهان عليها.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ الوصول إلى إتّفاق حول ترسيم الحدود البحريّة من عدمه قد لا يكون له أيّ تأثير كبير على الملف الرئاسي، على عكس ما يروّج له البعض، الأمر الذي يدفعها إلى توقع كباش حاد، في فترة الفراغ الرئاسي، بين الفريقين الأساسيين في البلاد، قد تساهم الضغوط الخارجية في الحد منه، لكن الأكيد أنهما لن يكونا في وارد تقديم تنازلات سريعة، لا سيّما أنهما يخوضان المواجهة من منطلق: "ليس لدينا ما نخسره".