على وقع الدعوات المتواصلة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة إلى "توحيد" المعارضة، التي أخفقت في كلّ الاستحقاقات السابقة، نتيجة تشتّت مكوّناتها وتباعد أفكارها، احتضن مجلس النواب هذا الأسبوع اجتماعًا "تنسيقيًا" هو الأول من نوعه، جمع نوابًا من مختلف المشارب والتوجّهات المعارضة، بين مستقلّين وسياديّين وتغييريّين، كما يحلو للبعض وصفهم.
صحيح أنّ الحضور اقتصر على 16 نائبًا، من أصل عدد بقي "محدودًا" من المدعوّين، إلا أنّ اللقاء استرعى انتباه الكثيرين، ممّن اعتبروه "نواة" جبهة معارضة موحّدة قد تبصر النور في القادم من الأيام، وهي الجبهة التي اعتقد كثيرون أنّها انبثقت "تلقائيًا" عن الانتخابات النيابية التي خسر بنتيجتها "حزب الله" أكثريتها، من دون أن يفقد "سطوته".
وإذا كان هؤلاء وضعوا اللقاء في خانة "جسّ النبض" ربما، أو بمثابة خطوة أولى في مسيرة "توحيد المعارضة"، فإنّ اعتقادًا يسود بأنّ الطريق لا تزال طويلة، وأنّ هذه "الوحدة" لا تزال مُستبعَدة، إذ إنّ بين نواب المعارضة المفترضين من لم يُدعَ أصلاً إلى الاجتماع، ولعلّ الأنكى من ذلك، أنّ بين من تمّت دعوتهم، من اختار "المقاطعة" لأسباب "مبدئية".
استنادًا إلى ما تقدّم، هل يؤسّس اللقاء النيابي التنسيقي فعلاً لجبهة معارضة موحّدة جديدة، أم أنه، على العكس من ذلك، وفق ما فهِم كثيرون، ينسف مثل هذا المشروع من أساسه؟ لماذا اعتبر البعض اللقاء الذي انعقد بلا جدول أعمال واضح، "استعراضيًا" لا أكثر ولا أقلّ، ولا سيما أنّ الاستحقاقين الداهمين، أي الحكومة والرئاسة، غابا عنه وفق شهادات الحاضرين؟.
بالنسبة إلى المتحمّسين للقاء الذي انعقد، فإنّ المطلوب التأسيس على ما تحقّق من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة، لا الإسراع إلى "جلد الذات"، عبر إفراغ الاجتماع من أيّ مضمون، والإيحاء بأنّه "لزوم ما لا يلزم"، أو حتى "إحباط" المتفائلين بقدرته على إحداث خرق في المشهد السياسي، عبر الحكم عليه سلفًا بالفشل، في إشارة إلى تصريحات قد تكون أهمّ "مفارقاتها" أنّها صدرت عن قوى محسوبة على المعارضة، قبل السلطة التي تجاهلت اللقاء بمعظمها.
يقرّ هؤلاء بأنّ اللقاء الذي عقد ليس "أقصى الآمال والطموحات"، لكنّهم يعتبرونه "نواة" يفترض البناء عليها، حيث إنّ الجميع يرفع لواء "وحدة المعارضة" منذ الانتخابات النيابية، وبالتالي يجب إعطاء مثل هذا الأمر فرصته، علمًا أنّ فكرة الاجتماع "التنسيقي" بدل "الذوبان" في تكتل واحد تنطوي على إيجابيّة واحدة، فهي إقرار من نواب المعارضة بوجوب تنسيق المواقف لتحقيق ما يصبو إليه من انتخبوهم، ولو أنّهم يدركون سلفًا أنّهم لا يتشاركون الآراء نفسها.
ومع أنّ هناك من اعتبر أنّ ما سُمّي بـ"تكتل النواب التغييريين" قد يكون "الضحية الأولى" للاجتماع الوليد، بعدما انقسموا على أنفسهم مرة أخرى، بين فريق شارك فيه بحماس، على غرار النواب مارك ضو ووضاح الصادق وملحم خلف وغيرهم، ومن قاطعوه عن سابق تصوّر وتصميم، واعتبروه غير مجدٍ، على غرار النواب بولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة وحليمة قعقور وغيرهم، فإنّ المعنيّين يؤكدون أنّ الأمر "سيُعالَج" في الاجتماعات المقبلة.
لكن، ريثما يتمّ "علاج" الأمر، أو بالحدّ الأدنى "توحيد" الكتلة التغييرية، قبل التفكير بـ"توحيد" المعارضة ككلّ، ثمّة تحفّظات يطرحها البعض على شكل اللقاء، بدءًا من هوية المشاركين فيه، حيث يستغرب البعض كيف يمكن تقبّل فكرة جبهة معارضة تضمّ في صفوفها وجوهًا لطالما صُنّفت على أنّها "سلطة"، من أمثال أشرف ريفي ونعمة أفرام وميشال معوض، ولو أنّهم سلكوا درب المعارضة في الآونة الأخيرة، شأنهم شأن نواب "الكتائب".
ومن التحفظات التي أثيرت أيضًا، عدم دعوة كتلتي "اللقاء الديمقراطي" و"الجمهورية القوية" إلى الاجتماع، وهو ما لم يُفهَم، طالما تمّت دعوة شخصيات أخرى كانت تدور في فلك السلطة، فلماذا تدعى "الكتائب" مثلاً وتغيَّب "القوات" التي لا ينفكّ رئيسها يدعو إلى "الوحدة" ليلاً نهارًا؟ ولماذا يغيَّب "الحزب التقدمي الاشتراكي" ويحضر نواب كانوا في الدورة التشريعية الماضية جزءًا من تكتل "لبنان القوي" مثلاً؟.
أكثر من ذلك، ثمّة من يسأل كيف يمكن لهذا اللقاء أن يكون "مجديًا" إذا ما غُيّبت عنه جهات محسوبة على المعارضة، علمًا أنّه لو اجتمعت جميع القوى المعارضة فعلاً على كلمة واحدة، وهو أمر مستحيل، نظرًا لتفاوت توجّهاتها إلى حدّ بعيد، يمكن فقط عندها أن تُحدِث فرقًا، خصوصًا في الاستحقاقات الكبرى، وهو ما تجلّى أساسًا في استحقاق نيابة رئاسة مجلس النواب، حين فشل المعارضون في إيصال المرشح غسان سكاف إلى المنصب.
وبين هذا وذاك، يبقى "التحفّظ" الأكبر الذي عبّر عنه عدد من النواب يتمثّل في غياب أيّ "أجندة واضحة" للقاء، فلا استحقاق رئاسة الجمهورية وُضِع على جدول الأعمال، وهو الذي كان ينبغي أن يكون "أولوية الأولويات"، ولا حتى بُحِث في الأمور التشريعية، علمًا أنّ هناك من اعتبر أنّ مثل هذا الاجتماع يكون مجديًا فقط حين يوزّع جدول أعمال الجلسة التشريعية، بحيث تنسَّق المواقف قبلها لتحقيق شيء ما، وعندها يكون اسمًا على مسمّى.
يقول البعض إنّ مجرد اللقاء بين كتل وقوى سياسية متفاوتة هو أمر إيجابي، مهما كانت الدوافع والأسباب، لكن ثمّة من يخشى أن تؤسّس مثل هذه اللقاءات لاستعادة زمن الانقسام العمودي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، علمًا أنّ هناك من رأى في اجتماع نواب المعارضة، على محدوديته، "ميني 14 آذار"، فهل تتحمّل البلاد استقطابًا من هذا النوع من جديد، خصوصًا أنّ أيّ نتائج "عملية" للقاء لم تظهر بعد، بعيدًا عن جو "الاستعراض"؟.