لطالما كنا من دعاة المساواة والدفاع عن حقوق المرأة واعتبارها على قدر الكفاءة والقدرة كالرجل، ولم نغيّر هذه القناعة خصوصاً وانها اثبتت في اكثر من محطة، استحقاقاً لكل المناصب التي تولتها. ولبنان الذي يخرج مسؤولوه يومياً ويتبجّحون بوقوفهم الى جانب حقوق المرأة، لم يستطع الى اليوم تأمين "كوتا" نسائية بالحد الادنى لوصولها الى مجلس النواب، او التسليم بوجوب النظر الى المرأة من قبل الناخبين على انها موازية للرجل من الناحية السياسية والتمثيلية، فتختلف عندها نسبة الحضور النسائي في البرلمان.
واليوم، مع انطلاق السباق الرئاسي (مع الاصرار والتشديد على انه ليس لبنانياً سوى من الناحية الاخراجية فقط)، استفزّ الكثيرون طرح اسماء نسائية لمنصب الرئاسة، والاستفزاز في هذا المجال ليس من باب تقليل اهمية المرأة والتشكيك بقدراتها في الوصول الى المنصب الاول في الجمهورية، بل لمعرفة ان من يقف خلف هذا الطرح انما يريد تهميش دور المرأة وحرق اي فرصة لحصول لبنان على رئيسة للجمهورية، وذلك للاسباب التالية:
1-اذا لم يستطع لبنان ضمان وصول نسبة مقبولة من النساء الى مجلس النواب، هل يتوقع احد ان تصل امرأة الى قصر بعبدا؟ فعلى الرغم من كل شيء، لا يزال المجتمع اللبناني ذكوريّ، فكيف سيتقبّل عدم مشاهدة رجل في منصب الرئاسة؟ ولمن لا يزال يعيش في احلام الفوقية اللبنانية الاجتماعية، نحيله الى الولايات المتحدة وفرنسا حيث من المفترض ان تكون الديمقراطية في ابهى حللها، ونسأله عن مصير هيلاري كلينتون ومارين لوبان في السباق الى الرئاسة في كل من البلدين. صحيح ان المرأة في لبنان وصلت الى منصب وزاري رفيع كوزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وتركت انطباعاً جيداً، ولكن الرئاسة امر آخر على الرغم من انها ليست بصلاحيات شاملة.
2-الا يستحي من طرح الاسماء التي انتشرت في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ان يكون من تمّ اختيارهن من المنتمين الى احزاب وتيارات وبيوت سياسية سابقة وحالية، وكأن الاستمرارية السياسية والكيدية في التعاطي يجب ان ينتقل من الرجل الى المرأة، وان لا مكان للتغيير نحو اسماء نساء لا يرتبطن بميول سياسية او اهواء حزبية؟ ويجدر الاعتراف انه في لبنان، يمكن ان ترتفع نسبة النساء "المستقلات" بكل ما للكلمة من معنى، الى رقم اعلى بكثير من نسبة الرجال. فما الهدف من طرح اسماء نساء انضوين تحت لواء معيّن ومعروف ولم يقدم ما يريده اللبنانيون، سوى التقصّد في التهميش وتقليل حظوظ الجنس الناعم في الوصول الى القصر الجمهوري؟.
3-قد لا تكون صلاحيات رئيس الجمهورية مطلقة كما هي الحال في الدول التي تعتمد على النظام الرئاسي، ولكن يبقى للمنصب في لبنان قيمته، وفي حين انه من وجهة النظر الدولية، قد يكون من المحبّذ التعاطي مع رئيسة للجمهورية نظراً الى الانعكاس الايجابي الذي سيخلّفه حول التغيير الكبير الذي يكون قد شهده لبنان في هذا السياق، فإن الواقع في لبنان امر آخر. فاضافة الى الاجواء غير السليمة التي ستضطر رئيسة الجمهورية الى التعاطي معها بحكم التعامل مع رؤساء التيارات والاحزاب السياسية ورجال السياسة، فمن المرجح الا يكون حضورها طاغياً لهذا السبب، ناهيك عن عدم وجود نواب ووزراء لدعمها حتى ولو كانت قراراتها او افكارها تصب في خانة المصلحة العامة.
هذا من الناحية السياسية العملية، اما من الناحية الاجتماعية والدينية، فهناك اجراءات عليها اتخاذها لمجرد كونها امرأة، حين ستلبي الدعوات الدينية او الاجتاعية او السياسية في حضور شخصيات من طوائف اخرى مثلاً، ما سيشكل عائقاً اجتماعياً ولو انه يمكن تخطيه، الا انه سيبقى موجوداً.
4-اذا تم بالفعل تخطي العقبات السابقة، وتم بمعجزة الهية ايصال امرأة مستقلة لتولي الرئاسة، هل سترتاح من المقالب والمؤامرات والمماحكات السياسية التي ستحاك ضدها من قبل "ذئاب السياسة"؟ وكيف ستوفّق بين طرحها السليم وطروحات اهل السياسة الخبيثة التي ستضرب كل محاولاتها قبل ان تبصر النور؟.
باختصار، مع تسجيل كامل الاحترام للمرأة ودورها في لبنان، الا اننا نجد انه لا يزال من المبكر جداً على المجتمع اللبناني تقبّل فكرة وصول امرأة الى رئاسة الجمهورية، وبالاخص اذا كانت بعيدة عن الاحزاب والتيارات السياسية. وباتلالي، فإن كل ما يتم طرحه حالياً من اسماء انما هو من باب "السماجة" والامعان في تهميش المرأة وحقوقها ومنها منصب الرئاسة.