لم يعد من الممكن فصل مسار الأزمة السياسية في البلاد عن مسار ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، نظراً إلى أن التصعيد أو التسوية، في الملف الأخير، سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع المحلي، الأمر الذي دفع بعض الجهات اللبنانية إلى الحديث عن أن المطلوب منع الوصول إلى أي إتفاق مع تل أبيب، قبل الإنتهاء من ملف الإنتخابات الرئاسية، كي لا يستفيد "حزب الله" من ذلك.
في مطلق الأحوال، توقيت أيّ تسوية أو إتفاق لن يكون مضبوطاً على ساعة أيّ من الأفرقاء المحليين، بل هو مرتبط بما هو أكبر من ذلك بكثير، أي أمن الطاقة على المستوى العالمي، وبالتالي الحسم به لن يكون إلا في يد الولايات المتحدة، بحال نجحت بإقناع الأفرقاء المعنيين بذلك، بالإضافة إلى البلدان الأوروبية الأساسية، التي هي بأمس الحاجة إلى الغاز في ظل الحرب في أوكرانيا.
على الرغم من ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن ذلك لا يلغي أن الإستحقاقات اللبنانية المنتظرة، خصوصاً الإنتخابات الرئاسية، باتت بحكم المؤجلة إلى حين معرفة المسار الذي سيسلكه ملف ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي البحث بها بشكل جدي لن يكون قبل ذلك، خصوصاً أن هذا الملف بات محكوماً بمهلة زمنية، لا يجب أن تتخطى الخامس عشر من أيلول.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذه المهلة لا تعني بالضرورة الوصول إلى إتفاق قبلها، نظراً إلى أنّ خيارات التصعيد أو المواجهة، بغض النظر عن حجمها، تبقى موجودة، من دون تجاهل إمكانية التوافق على حصول تأجيل، بعد تأمين الظروف التي تدفع مختلف الجهات المعنية إلى الموافقة عليه، لكن بعد هذا الموعد، المسار العام من المفترض أن يكون قد بات واضحاً أمام الجميع.
على المستوى السياسي، بات من الواضح أن البلاد ستكون في الفترة الفاصلة عن نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون أمام 3 سيناريوهات: الإتفاق على إنتخاب رئيس جديد، تشكيل حكومة جديدة، الذهاب إلى أزمة مفتوحة على وقع خلاف دستوري كبير.
بالنسبة إلى المصادر المطلعة، لن يكون من السهل الوصول إلى السيناريو الثالث، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن يتركها على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، من دون إستبعاد أن يكون له أخرى على مستوى الشارع، سواء كان ذلك على شكل تحركات شعبية أو توترات أمنية، الأمر الذي ترى أن من غير المسموح الوصول إليه لعدة إعتبارات، أبرزها غياب الرغبة الدولية.
في المقابل، ترى المصادر نفسها أن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو الثاني، أي الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، نظراً إلى أن الإتفاق على إنتخاب رئيس أكثر تعقيداً، على إعتبار أنه يرتبط بالعديد من العوامل الخارجية والمحلية، وبالتالي لن يكون من السهل، في ظل الصورة القائمة على مستوى المنطقة، الوصول إليه، إلا بحال حصول تطورات متسارعة، منها توقيع الإتفاق النووي أو تقدم على مستوى المشاورات السعودية الإيرانية.
في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأن كل هذه السيناريوهات لن يكون من السهل البحث بها قبل الخامس عشر من أيلول، حيث الصورة من المفترض أن تتضح بعد ذلك، الأمر الذي يبرر تجنب الأفرقاء المحليين الحسم في مواقفهم في الوقت الراهن، على قاعدة أن الكثير من الأمور قد تتبدل بعد ذلك.