بعد نحو أسبوع، أي مع بداية شهر أيلول، يدخل لبنان مسار الإستحقاق الرئاسي، على وقع سجالات سيّاسية عالية السقف، نظراً إلى الصعوبات التي تعتري عمليّة تأليف الحكومة، بالتزامن مع الضبابيّة التي تسيطر على مصير الإنتخابات الرئاسيّة، في ظلّ المواقف المتباعدة بين الأفرقاء الأساسيين.
هذا الواقع، دفع بالكثيرين إلى التحذير من سيناريو الوصول إلى الشغور على مستوى رئاسة الجمهورية في ظلّ حكومة تصريف أعمال، على قاعدة أن هذا الأمر سيقود إلى سجال دستوري سياسي، لا يمكن تحديد النتيجة التي من الممكن أن يصل إليها، الأمر الذي قاد إلى إعادة تحريك عجلة الإتصالات الحكوميّة، في الأيام الماضية، لكن وفق معادلة جديدة.
في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّه بعد إنتهاء الإستشارات النيابية غير الملزمة، سارع رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، في صباح اليوم التالي، إلى تقديم تشكيلته الحكومية، من دون أيّ تشاور مسبق مع رئيس الجمهورية ميشال عون، على قاعدة أن ليس لديه ما يخسره، في حال تشكّلت هذه الحكومة أو لم تُشكل، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى عون، الذي يحتاج إلى واحدة قادرة على الإنجاز في الأشهر الأخيرة من ولايته.
وتشير المصادر نفسها إلى أنه ضمن هذا المنطق، كان ميقاتي يظهر في موقع غير المستعجل على التأليف، لا سيما أنه كان يستند إلى دعم مجموعة واسعة من القوى السّياسية، تعتبر أن لا مصلحة لها بعقد أي تفاهم جديد مع رئيس الجمهورية قبل نهاية ولايته، من الممكن أن يستفيد منه الأخير على أكثر من صعيد، حيث كانت مطمئنة إلى أنّه يفتقد إلى أيّ خيارات عمليّة من الممكن أن يذهب إليها.
في الأيام الماضية، كان من الواضح أنّ فريق رئيس الجمهورية وجد أحد أبرز هذه الخيارات، خصوصاً بعد أن تلقّى جرعة دعم تمثّلت بمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أيّ عدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسلّم صلاحيّات رئيس الجمهورية عند إنتهاء ولايته، بالرغم من عدم الإتفاق حول هذه المسألة الدستورية.
في هذا الإطار، تشدّد المصادر المتابعة على أن ليس هناك من هو قادر على حسم الموقف الدستوري من هذه المسألة، نظراً إلى أنّ كل فريق يستند إلى فتاوى أو دراسات تؤكّد وجهة نظره، ما يعني أن الوصول إلى هذه المرحلة سيحمل معه المزيد من الخلافات، التي ستأخذ سريعاً طابعاً طائفياً خطيراً، لكن الأساس يكمن بأن عون تحول إلى الجانب الذي ليس لديه ما يخسره، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى ميقاتي.
وتوضح هذه المصادر أنّ رئيس الحكومة المكلّف كان يستند إلى معادلة أنه يحمل صفتين: رئيس الحكومة المكلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال، لكن بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية سيفقد حكماً الأولى بينما الثانية سيكون مشكوكاً بشرعيتها، في حين أن عون سيفقد حكماً صفته بعد 31 تشرين الأول، لكن بات لديه خيارات يلوّح بها منها: البقاء في موقعه، سحب التكليف من ميقاتي، الإنتقال إلى مرحلة جديدة في الحياة السياسية عنوانها الفراغ الكامل.
في المحصّلة، ترجّح المصادر نفسها أن يعود الجميع، في الأسابيع المقبلة، إلى البحث في كيفية الخروج من هذا المأزق، ربما بقوّة دفع خارجيّة، خصوصاً في حال عدم الإتفاق السلس على تأليف الحكومة أو إنتخاب رئيس، لكنها تلفت إلى أنّ فريق رئيس الجمهورية سيكون هو الجانب الأقوى في المعادلة، بالرغم من أنّ الحملات ضدّه سترتفع حدتها، بينما الجانب الآخر هو من سيكون عليه البحث عن كيفيّة الوصول إلى التسوية.