"إن أولاد الحرام هم الذين يقوِّلون الرئيس ما لم يقله، ويحمّلونه وزر أفعال لم يفعلها". بهذه العبارات، المأخوذة "بتصرف" عمّا قيل قديمًا، اختصر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الموقف من التسريبات التي كثر تداولها في الآونة الأخيرة، حول ما "يخطّط" الرئيس ميشال عون أن يقوم به في حال عدم تشكيل حكومة "أصيلة" جديدة، قبل انتهاء ولايته الرئاسية أواخر تشرين الأول.
ففي بيان عالي السقف وشديد اللهجة، شنّ مكتب الإعلام في الرئاسة هجومًا عنيفًا على "البعض من السياسيين والإعلاميين"، كما وصفهم، الذين ينسبون للرئيس مواقف وخطوات وإجراءات "هي في الواقع إدّعاء في قراءة النوايا، وضرب في الغيب من جهة، ومحض اختلاق وافتراء من جهة ثانية"، واضعًا الأمر في إطار "مخطط مستمر لاستهداف موقع رئاسة الجمهورية وشخص الرئيس".
أكثر من ذلك، تحدّث بيان مكتب الإعلام في الرئاسة عن "تحريض طائفي ومذهبي" يعمد إليه البعض في سبيل "إثارة النعرات"، وعن "دعوات مشبوهة" يصدرها البعض، معطوفة على "تضليل للرأي العام"، بل عن "نوايا خبيثة" يقف خلفها بعض "المأجورين" ربما من باب "تسديد الفواتير للجهات التي تقف وراءهم"، من دون أن يحدّد هوياتهم أو انتماءاتهم السياسية.
لكنّ البيان الذي جاء بعيد "سجال مضبوط" مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، دخل على خطه المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى "داعمًا" للأخير بشكل أو بآخر، جاء ليطرح العديد من علامات الاستفهام، فمن قصد الرئيس عون بـ"أولاد الحرام"؟ ولماذا رفع السقف لهذا الحدّ في بيانه؟ وهل من تبعات أو انعكاسات له على مستوى تأليف الحكومة، إيجابًا أو سلبًا؟.
في المبدأ، يختصر المحسوبون على رئيس الجمهورية والمقرّبون منه البيان الذي أصدره، على حدّته، بعبارة "طفح الكيل"، حيث يشيرون إلى أنّ الرئيس عون الذي يتجاهل الكثير من الأقاويل والتسريبات التي تطاله بوتيرة شبه يومية، والذي يكتفي في بعض الأحيان ببعض البيانات "التوضيحية"، أراد هذه المرّة أن يوجّه رسالة "صارمة" للجميع، ويؤكد مرّة أخيرة بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّه "بريء" من كلّ ما يُكتَب ويُثار في بعض الأوساط السياسية والصحافية، بلغة "المصادر المجهولة".
ومع أنّ بعض هذه الأوساط قد تُعتبَر "قريبة" من الرئيس، أو بالحدّ الأدنى من "التيار الوطني الحر"، خصوصًا أنّ منصّات إعلامية قد تكون محسوبة على الأخير تروّج منذ فترة لخيارات "رئاسية" في مواجهة "تصلّب الخصوم"، من بينها البقاء في قصر بعبدا، يقول المحسوبون على الرئيس إن موقف الأخير واضح، وقد أعلنه مرارًا وتكرارًا، وهو أنّه لن يبقى دقيقة واحدة في القصر بعد انتهاء ولايته الرئاسية في 31 تشرين الأول المقبل، ولو أنّه يرفض أن يسلّم البلاد إلى "فراغ".
لكنّ المشكلة الكبرى بالنسبة إلى المحسوبين على الرئيس، تكمن في "استحضار" البعد الطائفي، من خلال بعض "التكهنات" التي راح البعض يطلق العنان لها، مع ما تنطوي عليه من "مخيلة واسعة"، وقد تجلى ذلك في الأسبوع الماضي، من خلال الحديث خصوصًا عن "سحب التكليف" من رئيس الحكومة المكلف، وصولاً لحدّ الذهاب لحدّ تشكيل حكومة من تلقاء ذاته، وهو ما أثار الكثير من "الحساسيات"، وكاد يشعل "فتنة" في مكان ما، من حيث يحتسب "كتّاب السيناريو" أم لا.
لهذه الأسباب، جاء بيان بعبدا ليقطع الشكّ باليقين، وفق هؤلاء، عساه يكون "الفصل الأخير" من لعبة "المقامرة بالوطن"، وفق ما يقولون، خصوصًا أنّ ما يتمّ ترويجه ينطوي على "خبث" لا يمكن السكوت عنه، وخصوصًا حين يُربَط بـ"تعطيل" تشكيل الحكومة، الذي لا يتحمّل الرئيس مسؤوليته، إلا في ذهن من يرغبون بإلغاء أيّ دور للرئيس، خلافًا للنصوص الدستورية، التي ينبري هؤلاء للدفاع عنها، ويلتفّون حولها عندما لا تتناغم مع مصالحهم، وربما "أجنداتهم".
لكن، أبعد من البيان، بل أبعد من كلّ التسريبات والسيناريوهات التي أخذت مداها في الأوساط الإعلامية والسياسية في الآونة الأخيرة، يتحدّث البعض عن طريق "سهل وبسيط" لتفادي كلّ هذه "الشرور"، ويتمثّل بالذهاب سريعًا إلى تشكيل حكومة جديدة وفقًا للأصول الدستورية، بعيدًا عن أيّ شروط أو شروط مضادة، ولا سيما أنّ أحدًا لا يملك "ترف" المناورة والمماطلة، بمُعزَل عن حقيقة أنّ المهلة الدستورية الممنوحة للرئيس المكلف "مفتوحة وليست مقيَّدة".
يشير العارفون إلى أنّ تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، بمعزل عن "مسار" الانتخابات الرئاسية، وما إذا كانت هذه الحكومة "ستعمّر طويلاً" أم لا، هو "أهون الشرّين" إن جاز التعبير، فعن طريقه فقط يمكن "النجاة" من فوضى "دستورية" قد تؤدي لمفاقمة الوضع، في ظلّ إصرار حكومة تصريف الأعمال على "حقها" بتسلّم الصلاحيات الرئاسية، رغم حدودها "الضيّقة"، وتلويح "التيار الوطني الحر" في المقابل، باللجوء إلى الشارع للمواجهة والمعارضة.
وإذا كان الجميع يتوافقون ضمنًا على أنّ هذه الطريق هي فعلاً الأسهل، وربما الأضمن، إلا أنّ الاختلاف يقع على "الترجمة"، في ظلّ الاختلاف المستمرّ على "شكل" الحكومة قبل مضمونها، مع رفض رئيس الحكومة المكلف لفكرة "تطعيم" الحكومة بستة وزراء دولة من السياسيين، يُقال إن الوزير السابق جبران باسيل من بينهم، وتمسّك رئيس الجمهورية وفقًا لبعض المعطيات، بهذا الخيار، من باب أن تكون "الحكومة قوية" لتستلم صلاحيات "الرئيس القوي".
رغم ذلك، ثمّة من يتفاءل خيرًا بإمكانية التوصل إلى "مشتركات" تؤدي إلى ولادة الحكومة في وقت قريب، خصوصًا مع إعادة تشغيل "محركات" الوساطات والمبادرة، في ظلّ مسعى "توفيقي" يقال إنّ "حزب الله" باشره، بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، علمًا أنّ هذا الأسبوع قد يكون "حاسمًا"، خصوصًا مع عودة الوزير باسيل من إجازته الخارجية، ما قد يسرّع في المفاوضات الحكومية، إن توافرت النوايا "الصادقة" لذلك، وهو ما لا يزال محلّ جدل.
في النتيجة، يقول العارفون إنّ الأجواء تبقى "ملبدة" حتى إشعار آخر، فعلى الرغم من أنّ بيان بعبدا الناري ينبغي أن يفتح "كوة في الجدار"، مع طيّه صفحة "التكهّنات" حول خطط ونوايا "مضمرة"، ثمّة من يخشى أن تكمن "الشياطين في التفاصيل"، فتمنع ولادة الحكومة في الوقت المناسب، ما سيُدخِل البلاد تلقائيًا في أزمة دستورية سياسية، قد يعرف الجميع كيف تبدأ، لكنّ أحدًا لن يستطيع أن يتكهّن بنهاياتها من الآن!.