بعد مجموعة واسعة من الإستحقاقات الخارجية التي ربطت بها الملفات اللبنانية، تعود بعض الجهات إلى النغمة نفسها من جديد، عبر الحديث عن تداعيات لإحتمال إبرام إتفاق جديد حول الملف النووي بين الولايات المتحدة وإيران، على قاعدة أن هذا الأمر سيمهّد الطريق نحو تسويات يستفيد منها لبنان في المرحلة المقبلة، لا سيما على مستوى الإستحقاق الرئاسي.
من حيث المبدأ، قد يكون من المنطقي ربط الملفات المحلّية بأيّ إستحقاق على مستوى المنطقة، لا سيّما أن لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطها، بل على العكس من ذلك هو ساحة تتأثر بكل التطورات التي تحصل في الإقليم، لكن من جهة ثانية لا تؤكد المعطيات الراهنة صحة ما يتم تداوله على هذا الصعيد، خصوصاً أنّ المؤثرات الداخلية لا تقل أهمية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الساحة اللبنانية تضم مجموعة من اللاعبين المؤثّرين، وبالتالي لا يمكن أن يكون الحسم هو نتيجة تداعيات إتفاق أميركي-إيراني فقط، مع العلم أن الجانبين يؤكدان أن الإتصالات والمشاورات بينهما لم تشمل أيّ ملفات أخرى، بالرغم أن من مثل هذا الإتفاق قد يحدّ من التوترات القائمة.
من وجهة نظر هذه المصادر، العودة إلى الإتفاق النووي قد تمهد الطريق نحو تسويات أخرى على مستوى المنطقة، ربما يكون الملفّ اللبناني من ضمنها، لكن في المقابل لا ينبغي تجاهل مواقف باقي اللاعبين المؤثّرين، خصوصاً الإقليميين منهم، نظراً إلى أن هؤلاء، في حال لم يكن هذا الملفّ يلبي طموحاتهم، قد يذهبون إلى محاولة "التشويش" عليه.
بناء على ما تقدم، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ تأثير التقارب الإيراني السعودي على لبنان، في حال تطور في المستقبل، قد يكون أكبر من تأثير الإتفاق النووي، على قاعدة أن هذا التقارب ينطلق أصلاً من البحث في الملفّات العالقة بين الجانبين في أكثر من ساحة، كما تشير إلى أنّ الملف اللبناني يرتبط أيضاً بالواقع الإسرائيلي، أيّ أنّ التعاطي معه يختلف عن أي ملف آخر.
قبل أيام، أعلن أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، بشكل حاسم، عدم إرتباط ملف ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل بالملفّ النووي الإيراني، حيث شدّد على أن لا علاقة لملف الحدود بملف الإتفاق، سواء تمّ توقيعه أم لا، مع العلم أن انعكاسات الوصول إلى إتفاق مع تل أبيب قد تكون كبيرة جداً على الواقع المحلي، بينما الفشل في ذلك قد يقود إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.
على هذا الصعيد، تستغرب مصادر أخرى كميات السيناريوهات التي تطرح في الأوساط اللبنانية حول هذه المسألة، لا سيما تلك التي تتحدث عن أن العودة إلى الإتفاق ستعني تلزيم واشنطن البلاد لطهران، حيث تؤكّد أنّ هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، بل على العكس من ذلك فالساحة المحلية، ربطاً بمجموعة من التطورات، قد تعود لكي تكون مركز إهتمام أميركي لافت.
إلى جانب ذلك، تشدّد المصادر على أنّ تداعيات أيّ إتفاق بين واشنطن وطهران لن تكون في وقت قريب، في حين أنّ الملف اللبناني لا يحتمل الكثير من التأجيل، بالنظر إلى العديد من الإستحقاقات الداهمة، خصوصاً تلك المرتبطة بانتخابات رئاسة الجمهوريّة، بشكل مباشر أو غير مباشر، كالمشاورات القائمة على مستوى تأليف حكومة، بهدف تفادي الوصول إلى شغور في سدّة الرئاسة في ظل حكومة تصريف أعمال، على إعتبار أن ذلك سيقود حكماً إلى أزمة نظام.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأن المؤثرات الداخلية في الإستحقاقات المحلّية لا تقلّ أهمّية عن تلك الخارجية، لا سيما في ظلّ الوقائع التي فرضتها الأزمة الإقتصادية والإجتماعية، بالإضافة إلى إحتدام الصراع السياسي بين فريقين أساسيين، مشدّدة على أنّ فرص أيّ تسوية جديدة يتطلب أكثر من تأثيرات غير مباشرة، لتوقيع إتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران.