على وقع الحملات السياسية المتبادلة على أكثر من جبهة، بسبب تزامن مجموعة من الإستحقاقات الهامة التي تنتظر البلاد، في ظلّ ظروف إقتصاديّة وإجتماعيّة قد تكون هي الأصعب، يبدو أنّ الأمور باتت محكومة بمعادلة متناقضة، تقوم على أساس المشاورات المفتوحة حول ملفّين أساسيين: تشكيل الحكومة والإنتخابات الرئاسية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ هذه المعادلة تنص على أنّ النجاح في تشكيل الحكومة يعني الذهاب إلى شغور على مستوى رئاسة الجمهوريّة، بينما الفشل في هذه المهمّة سيدفع الجميع إلى تقديم تنازلات بهدف التفاهم على هوّية الرئيس المقبل، وتلفت إلى أن هذه المعادلة كانت هي السبب في إعادة تحريك عجلة الإتصالات الحكوميّة في الأيام الماضية.
وتوضح هذه المصادر أنّ بعض الأفرقاء كانوا يعتقدون أن المهمة ستكون أسهل، فيما لو وصلت البلاد إلى مرحلة الشغور في ظلّ حكومة تصريف أعمال، على قاعدة أن هذا الأمر سيسهّل عملية الإتفاق في الإستحقاق الرئاسي، نظراً إلى أنّ "التيار الوطني الحر" سيكون مضطراً إلى تقديم تنازلات كبيرة، لكن بروز الفتاوى الدستوريّة، التي تصب في إتجاه عدم قدرة هكذا حكومة على تسلم صلاحيات الرئيس، دفعت الجميع إلى إعادة درس حساباتهم.
من وجهة نظر المصادر نفسها، اليوم بات الجميع يخشى الوصول إلى أزمة نظام، قد تطيح بإتفاق الطائف، بالنظر إلى التداعيات السياسية والطائفية التي قد تترتب عليها، مع العلم أن هناك من لا يستبعد أن يكون لها تداعيات أمنيّة في ظلّ الظروف الإقتصاديّة والإجتماعيّة القائمة، وبالتالي البحث عن المخارج بات أمراً ملحاً، خصوصاً من جانب القوى التي تحمل لواء الدفاع عن هذا الإتفاق، بسبب المكتسبات التي أمّنها لها على مدى سنوات طويلة.
ضمن هذا الإطار، جاء كلام رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، أول من أمس، عندما أشار إلى أنّ "البلد من دون حكومة لا يمكن أن يستقرّ وضعه والدلع الذي نعايشه في طريقة تشكيل الحكومة لا محلّ له الآن"، مضيفاً: "نحن لا يعنينا من يأتي ومن يذهب ومن يعود، بل عوّموا هذه الحكومة لتكون حكومة كاملة الصلاحيّات".
على هذا الصعيد، تشير مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أنّ الجميع بات يدرس خياراته الحكومية إنطلاقاً من التداعيات التي قد تترتب على مستوى الإستحقاق الرئاسي، الذي لا تزال صورته غامضة لعدة أسباب، أبرزها التباعد الكبير في مواقف الأفرقاء المحليين، بالإضافة إلى عدم بروز أيّ إهتمام دولي في هذا الملفّ حتى الآن، على عكس ما كان يتوقع الكثيرون، من دون تجاهل إنشغال الجميع بملفّ ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، نظراً إلى الإنعاكسات التي قد تنجم عن أيّ إتفاق أو مواجهة.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه بالنسبة إلى القوى المعارضة، الحلّ الأفضل هو عدم النجاح في تأليف حكومة جديدة، على قاعدة أنّ هذا الأمر سيمثل عامل ضغط على قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" في الإستحقاق الرئاسي، لا سيما إذا ما ترافق ذلك مع ضغوط دولية تدفع بإتجاه إنجاز الإستحقاق الرئاسي، بينما وجود حكومة كاملة الصلاحيات سيدفع هذا الفريق إلى الرهان على عامل الوقت لتحقيق مكاسب.
على مستوى القوى المعنيّة بالملف الحكومي، توضح المصادر نفسها أنّ الرهانات مختلفة بين فريق يعتبر أنّ تشكيل الحكومة يجنّبه السيناريوهات التي قد يذهب إليها "التيار الوطني الحر"، في حال الفشل بإنتخاب رئيس ضمن المهل الدستوريّة، وآخر يرى أن عدم تشكيلها يعزز قدراته التفاوضيّة، في حين يبرز فريق ثالث، يمثله بشكل أساسي "حزب الله"، يخشى من التداعيات التي قد تترتب على أيّ تدهور كبير في الأوضاع السّياسية.
في المحصّلة، يبدو أنّ شهر أيلول المقبل سيكون مفصلياً على أكثر من صعيد، نظراً إلى أن المسارات من المفترض أن تتوضح على أكثر من صعيد، سواء على مستوى ترسيم الحدود أو على مستوى المسارات الداخليّة المتعلّقة بتشكيل الحكومة والإنتخابات الرئاسيّة.