في لبنان يتفنّن "المسؤولون" في قتل المواطن. بعد أن سرقوا أمواله وأحلامه وأدويته، ها هم اليوم يسرقون حياته على الطرقات. يتلهّى المسؤولون بمصالحهم والحفاظ على زعاماتهم، وأمن المواطن وأمانه في مكان آخر، والشعب يدفع الثمن غاليًا. لذا ترانا نسأل الله أن يسترنا بستر جناحيه، عند قيادتنا السيارة يوميًا، ونشكره عند عودتنا إلى بيوتنا سالمين.
حسب الإحصاءات الصادرة، لا يمرّ يوم دون وقوع قتلى وجرحى، ومنهم، مؤخرًا، الفنّان الشاب جورج الراسي، وازداد عدد الإصابات، جرّاء غياب الإشارات الضوئية كليًا، وازدياد الحفر وعدم صيانة الطرقات وإنارتها، بالإضافة إلى غياب الرقابة وشرطة السير بشكل فاضح. دون أن ننسى تحميل بعض السائقين مسؤولية كبيرة، نتيجة السّرعة الفائقة والتلهّي بالهاتف، بالإضافة إلى عدم الترّكيز الناجم عن الشرود في الأفكار، بسبب الضغوطات النفسيّة والجسديّة التي نعيشها، دون ان ننسى تناول الكحول وما إليه.
الكلّ يتحمّل المسؤولية، وأبرياء يدّفعون الأثمان غاليًا، وبالمحصّلة أمّهات ثكّلى، وزوجات أرامل وأولاد يتامى، وصور ضحايا الطرقات معلّقة في صدور البيوت.
هذه حالنا للأسف، وأقولها بحرقة كبيرة، لذا نحن مدعوون إلى الوعي الكامل والانتباه المطلق خلال القيادة، كي ننجو من الحوادث المميتة، وبالتالي نتجنّب الحزن والوجع والألم والإعاقة.
كلّ واحد منّا مدعو أن يكون شرطيَّ سير، ينظّم مروره بسيارته بانتباه ووعي، ويجنّب نفسه والآخرين من حوادث السير. كما أن القوانين يجب أن تعدّل، لا سيما في موضوع الدرّاجات النارية، التي باتت قنبلة موقوته متنقّلة على الطرقات، وسائقين غير مبالين بحياتهم وحياة الآخرين.
المشكلة في قانون السير الذي لا ينفّذ بشكل صارم، سيّما وأننا في وطن تتّحكم فيه العقول الموتورة والأعصاب المشدودة والإدارة المفقودة والرقابة المعدومة.
أبسط الأمور مطلوبة اليوم من القيّمين على إدارة شؤون السير في لبنان ووزارة الأشغال. كفانا قتلى وجرحى يوميًا، وكفانا استهتارًا بأرواح الناس، وكفانا سقوط أبرياء ذنبهم بمصادفة وحوش متنقّلة، تقود سياراتها بجنون ودون مسؤولية، وطرقات مهملة ورقابة معدومة.
حان الوقت، أقلّه، لشرطة السير والشرطة البلدية أن يتواجدوا على الطرقات العامة والفرّعية، وينظّموا السير بشكل فعّال، ومراقبة الخارجين عن قوانين السير وفروعه. كما على وزارة الأشغال ألاّ تتأخر في صيانة الطرقات قبل قدوم فصل الشتاء كأولويّة، دون تقديم الحجج الواهية والتذرّع بالوضع المالي والاقتصادي. فليبادر كلّ الذين استغلّوا مواقعهم للزفت الإنتخابي، بدل أن يكتفوا بتقديم واجب العزاء على ضحايا السير، أن يبادروا، ولو لمرّة واحدة في صيانة الطرقات من مالهم الخاص، بعد أن افقروا الخزينة ونهبوها، كما يقولون في لبنان.
قليلٌ من الزفت والاهتمام بإشارات السير وتأمين الكهرباء لها، عبر المولّدات المحلّية، وإنارة الطرقات، مع مراقبة فعّالة، ووعي السائقين، تجنّبنا كوارث كثيرة. كما أن الحزم في تنفيذ القوانين وتسطير محاضر ضبط من شرطة السير والشرطة البلدية، دون السقوط أمام مغريات "البرطيل"، واللجوء إلى النافذين، ينقذ أرواح كثيرين. لا نتحججن بالوضع المعيشي، ونهمل القوانين والإجراءات اللازمة، لأن حياة الإنسان لا تقدّر بثمن.