مع بداية المهلة الدستورية المحددة لإنتخاب رئيس للجمهورية، كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بما يشكّله من تداعيات على كافة المستويات الإقتصاديّة والإجتماعية، هو المعبر الأفضل عما يمكن أن تكون عليه الأيام المقبلة، في حال عدم بروز أي معطيات جديدة تقود إلى معالجة الخلل القائم على المستوى السياسي.
حتى الساعة، لا يزال معظم الأفرقاء يدورون في فلك المواصفات التي لديهم، بالنسبة إلى هوية الرئيس المقبل، من دون أن تظهر أيّة أسماء من الممكن أن تكون عامل تلاقٍ يحول دون الوصول إلى الشغور في سدّة الرئاسة، نظراً إلى أن التباعد فيما بينهم يبدأ، في الأصل، من هذه المواصفات، التي تتراوح بين الوسطي والمُمثل والسيادي، وغيرها من الصفات التي يريدها كل فريق.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما يحصل على مستوى سعر صرف الدولار قد يكون جزءاً من الكباش السياسي الدائر في الوقت الراهن، خصوصاً أنه تزامن مع عودة الإشتباك على جبهة "حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، بعد المواقف التي كان رئيس المجلس النيابي نبيه برّي قد أطلقها في مهرجان ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الجميع في لبنان بات يدرك أن جزءاً لا يستاهن به من عمليات المضاربة في السوق السوداء مرتبط بالأوضاع السياسية، سواء كان ذلك مقصوداً أو عبارة عن تأثيرات يصنفها البعض في الإطار النفسي، لكنها ترى أن السؤال الذي يجب أن يطرح، في الوقت الراهن، يتعلق بالمدى الذي من الممكن أن تصل إليه هذه اللعبة، مع إقتراب موعد نهاية ولاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، في حال عدم الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة أو إنتخاب رئيس جديد للجمهورية؟.
في هذا الإطار، بات من الواضح أنّ الشغور في سدّة الرئاسة في ظلّ حكومة تصريف الأعمال هو السيناريو الأخطر الذي ينتظر اللبنانيين، على إعتبار أنه سيكون المقدّمة لأزمة نظام لا أحد يستطيع أن يتكهّن بكيفيّة الخروج منها، لا سيّما أنّ الجميع يهدّد برفع سقف مطالبه في هذه المرحلة، بينما من المتوقع أن تستخدم فيه كافة الأسلحة اللازمة لتحسين الشروط.
في هذا الإطار، تؤكّد مصادر نيّابية معنية، عبر "النشرة"، أن الشغور في سدة الرئاسة، في حال حصوله، لن يستمر إلى ما بعد نهاية العام الحالي، نظراً إلى أن الكثير من الجهات الدولية ستكون حاضرة للضغط على الأفرقاء المحليين، مع العلم أن التأثيرات الخارجية في هذا الإستحقاق هي الأكبر، خصوصاً أن توازنات المجلس النيابي لا تسمح لأيّ فريق بحسم المعركة، بينما التوافق بين المتخاصمين لا يمكن أن يحصل من دون تدخل خارجي.
بالنسبة إلى هذه المصادر، في الوقت الراهن لا يبدو أن لبنان على جدول أعمال القوى الدولية المؤثرة في الساحة المحلية، نظراً إلى إنشغالها بملفات أكثر أهمية أبرزها أزمة الطاقة على المستوى العالمي، بالإضافة إلى المفاوضات المرتبطة بالإتفاق النووي الإيراني، لكن في المقابل هناك حرص على عدم تدهور الأوضاع، بدليل الإتصال الذي قام به الرئيس الأميركي جو بادين برئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ المعطيات الراهنة تفرض على الأفرقاء المحليين التعامل بواقعية أكبر، على قاعدة أن المطلوب لململة الأوضاح الداخلية في الفترة الفاصلة عن بروز معالم التطورات الإقليميّة والدوليّة، من خلال الذهاب إلى الإتفاق على ما يمكن وصفه بـ"حكومة الأمر الواقع"، لا سيما أن المخارج موجودة في حال توفرت الإرادة لذلك.