رغم كثرة الاستحقاقات "الداهمة"، نيابيًا ورئاسيًا واقتصاديًا وماليًا، عادت الخلافات داخل "التيار الوطني الحر" إلى الواجهة في الأيام القليلة الماضية، بدءًا من "التسريبات" عن "فصل" النائب السابق زياد أسود، التي احتاجت لبضعة أيام قبل أن تتأكد، أعلن خلالها النائب السابق ماريو عون تلقيه بلاغًا بـ"طرده" من "التيار"، رغم أنّه كان قد استبق هذا الكتاب بتقديمه استقالته، بعدما تدهورت العلاقة بينه وبين القيادة منذ ما قبل الانتخابات النيابية.
صحيح أنّ القرارين كانا متوقَّعَين بالنسبة إلى كثيرين، فـ"القطيعة" بين رئيس "التيار" الوزير السابق جبران باسيل وزياد أسود تعود إلى الانتخابات الأخيرة، حين "فرض" أسود نفسه مرشحًا في جزين، رغمًا عن الجميع، فكانت الخسارة "العونيّة" المدويّة وغير المسبوقة، في حين عُدّ ماريو عون من "المتمرّدين" يوم أطلق مواقف مناهضة لـ"التيار"، بعدما اختار باسيل عدم ترشيحه إلى الانتخابات، بطريقة رأى فيها الأخير "قلة احترام" لشخصه.
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ صدور القرارين بهذا الشكل، ضمن سلسلة قرارات أخرى وفق ما يعتقد كثيرون، حمل الكثير من المعاني والدلالات، خصوصًا في توقيته "الرمزي" قبيل الانتخابات الرئاسية، وعلى وقع "التسريبات" عن "تمرّد داخلي" قد يواجَه به باسيل من الداخل، مع اتساع رقعة المعارضين له، في ظلّ "صمت معبّر" للكثير من القيادات "العونية" الأساسية، التي تتحيّن ربما الفرصة المناسبة للإدلاء بدلوها، أو حتى للخروج "الطوعي".
فما الذي يحصل داخل "التيار الوطني الحر"؟ لماذا تتجدّد حلقات "الفصل" بين الفينة والأخرى، منذ وصول الوزير باسيل إلى "قيادته"؟ هل من "قطبة مخفية" خلف القرارات المستجدّة، وما صحّة الحديث عن "رسائل مضمرة" خلفها أراد باسيل إرسالها إلى "القاصي والداني" كما يقال؟ أيّ "تبعات" لهذه القرارات على مستقبل "التيار" الذي يفترض أنه يستعدّ لمرحلة "ما بعد العهد"، التي سيعود فيها "المؤسّس" ميشال عون إلى صفوفه بصفة "رئيس فخري" كما أعلن؟!.
بالنسبة إلى الكثير من العارفين والمتابعين، فإنّ قرارات الفصل الجديدة، وإن كانت متوقعة بصورة أو بأخرى، جاءت في توقيتها لتدلّ على "قلق حقيقي" لدى رئيس "التيار" والدائرة المقرّبة منه، فهو "المنهمك" بمعارك مع جميع القوى السياسية بلا استثناء، سوى "حزب الله" ربما، بات يتحسّب لـ"معركة" غير محسوبة في داخل "التيار" الذي يرأسه، بدأت مؤشّراتها بالظهور منذ فترة، مع بوادر "تمرّد" غير مسبوق عليه.
يقول البعض إنّ هذا "التمرد" شعر به باسيل في أكثر من محطّة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، مع بروز "طامحين" يسعون لحجز "موقع" لهم في المعادلة، ولو على حساب رئيس "التيار" نفسه، كما شعر به أيضًا مع محاولة فرض "أمر واقع" عليه في أكثر من مكان، كما حصل مثلاً حين قرّر الياس بو صعب أن يخوض معركة نيابة رئاسة المجلس، بمعزل عن قرار باسيل، ما ألزم الأخير بدعمه، رغم أنّه لم يكن يحبّذ ذلك، وفق لبعض التسريبات.
ومع الأيام، بدأ أمر "الخلافات الداخلية" يظهر أكثر فأكثر أمام الرأي العام، وفق ما يقول العارفون، حيث تجلّى ذلك باستبدال اجتماعات تكتل "لبنان القوي" الدورية، بأخرى للمجلس السياسي في "التيار الوطني الحر"، فيما غابت وجوه "التيار" التقليدية والأساسية عن الواجهة، لتحلّ مكانها ما وُصفت بـ"الجوقة" المحسوبة على باسيل بشكل مباشر، حيث كانت هذه المجموعة هي التي تخوض "معاركه ومواجهاته"، بصورة عفوية أو منظمة.
ويُقال في بعض الأوساط إنّ الأمر وصل إلى "ذروته" في الأيام الماضية، حين بدأت "التسريبات" تتكثّف حول "تمرّد مرتقب" لبعض وجوه "التيار" غير المصنّفة ضمن "الدائرة الباسيلية"، وأنّ هؤلاء يدرسون جديًا فكرة ترشيح أحدهم لرئاسة الجمهورية، نظرًا لـ"انعدام" فرص باسيل الشخصية، وأنّ اتصالات بدأت لهذا الغرض، وهو ما لم يرتح له باسيل وفقًا لهذه التسريبات، فكان "الهجوم المضاد والرمزي" من خلال "فصل" أسود وعون وربما غيرهما.
وبمعزل عن مدى "احتمالية" هذا الرأي من عدمها، يؤكد الكثير من المحسوبين على باسيل، والمقرّبين منه، أنّ هناك "تضخيمًا" لقرارات الفصل التي صدرت، بناءً على آليات وهيكليات تنظيمية يفترض أن يحترمها كل من هو في صفوف "التيار"، وينفون أيّ "شخصنة للقرار"، باعتبار أنّ زياد أسود مثلاً ما كان ليبقى يومًا واحدًا بعد الانتخابات لو كانت موجودة، وهو الذي يجاهر بـ"مقاطعة" الوزير باسيل منذ نحو ثمانية أشهر.
ومع تأكيد هؤلاء "كل الاحترام والتقدير" لكل "الرفاق المناضلين والمؤسسين"، يجزمون بأنّ هناك "آليات تنظيمية" لا بدّ من احترامها، ويستغربون "الحسرة" التي انتابت البعض على "الديمقراطية" داخل "التيار الوطني الحر"، رغم أنّه لا يزال بشهادة الجميع، أكثر الأحزاب تنوّعًا وقبولاً للرأي والرأي الآخر، وهو ما يتجلّى في الكثير من المواقف، التي "يتمايز" فيها بعض الأعضاء عن بعضهم البعض، خلافًا لمبادئ "العمل الحزبي" المفترضة.
ويسأل المحسوبون على باسيل كل "الغيارى" على "الديمقراطية" في "التيار" عمّا إذا كان بالإمكان أن يجدوا حزبًا يضمّ في صفوفه من يشنّ "حملة" على حزبه لأنه لم يرشحه إلى الانتخابات، ويذهب لحدّ "تحريض" أنصاره على عدم التصويت لصالحه، أو من يصرّ على خوض البطولات والمعارك في وجه "رفاقه"، ومن "يتمرد" على رئيسه، بل يصفه بنعوت من نوع "المتكبر والفاشل"، ويتبنّى مقولات الخصوم في السياسة.
لعلّها "المبالغة" تظهر في "جانبي" الرواية، فـ"لا تمرّد ولا من يحزنون"، يقول البعض، وما الاعتراض على "الشخصنة والفردية" سوى "حقّ" لمن يعتبرون أنفسهم "أساس" تيّار أسهموا في تأسيسه، وواكبوا مختلف مراحله، ولا "حرية مطلقة" في المقابل، بعيدًا عن أيّ "تنظيم". لكن في كل الأحوال، يبقى الأكيد أنّ خلافات "التيار" لا تخدمه في هذه المرحلة، بل إنها قد توظَّف من جانب الخصوم خير توظيف، ما يتطلب مقاربات من نوع آخر، إن صدقت النوايا!.