إنّ الحديث عن الوضع العام في البلاد يستدعي وخصوصًا في هذا الظرف الراهن عقد إجتماعات متوالية لإيجاد المخارج القانونية والدستورية للأزمة اللبنانية، إذ أنّ أزمتنا هي من أكثر الأزمات تعقيدًا وحساسية، ومرّدها طبقة سياسية فاسدة مُفسدة مرهونة الضمير والمواقف. والواقع السياسي العام مُحاط بأسوار من المجاملة والتكاذب والمنظومات الإنشائية لدى من يُمسكون بالنظام، وإختراق هذه الأسوار ليس عملية سهلة، خصوصًا إذا كان من يريد الإختراق يحرص على ألاّ يلحق به رذاذ هذه الجماعة الفاسدة، بإعتبار أنها تسيء إلى مناقشة عميقة وصريحة لهذا الواقع المأزوم.
الخلل في العلاقات السياسية والإجتماعية في النظام اللبناني والعجز والوهن في رجالات السياسة عندنا يقفان دون شك وراء نجاح الغريب والوكيل في إدامة المصائب، بل يحولان دون بناء السّد اللبناني الداخلي في وجه هذه التدخلات. كما أنّ الإحتكام إلى الغوغائيّة والسلاح غير الشرعي والإقتتال فيما بين اللبنانيين لحلّ أي صراع داخلي من جهة، وتحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات سواء أكانت عربية أو إقليمية أو دولية من جهة أخرى، شكّلا دون شك التربة الخصبة لنجاح مؤامرة الإنصياع وفي إدامة هذه الفوضى وتوسيع نطاق أضرارها على جميع المستويات.
إنّ التاريخ الحالي مليء بالأمثلة والشواهد التي تظهر كيف يعمل الغريب بغض النظر عن تسليح وتغذية مجموعات معينة بهدف تشجيع السيطرة المطبقة وإدامتها، وتدمير بنى الدولة السياسية والإدارية وحتى تدمير كل الأطراف المحلّية على حدّ سواء... كما أنه يتدخل بسرعة في حال أحسّ أنّ الطرف المدعوم من قبله عاجز عن القيام بمهمّة معينة، علمًا أنه يُطبق على كل إدارات الدولة بموجب مخطط مدروس بالكامل وينفذ على أكمل وجه... والهدف إستمرار السيطرة وبالتالي تفتيت الدولة.
أمام هذا الواقع الأليم لا بُدّ من أن يتساءل أيّ مواطن لبناني شريف مخلص لبلده حريص على الدقة التاريخية والأمانة اللبنانية، عن مدى التشويه الذي أصاب التفكير السياسي اللبناني وعن فداحة الخسارة التي تواجه اللبنانيين المؤمنين بلبنان كبلد مميز ديمقراطي، لا مقرًا ولا ممرًا لأي محتل لبناني الوجه عضو في جامعة الدول العربية وعضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة متعدد الثقافات شمولي التطلعات، وعن عمق الكارثة إذا إستمر هذا المنحى في السيطرة على إتجاهات السياسة اللبنانية، بحيث يصبح من المستحيل ترميم هذا الشرخ اللبناني في القلب الوطني اللبناني، وعن الحزن الذي يشعر به أي لبناني من جرّاء هذا الكلام الساذج والخطر معًا، هل يجوز القبول بإحتلال دولة والسيطرة على نظامها مقابل الجلوس على كرسي المسؤولية؟!.
نتيجة لذلك وقع بعض اللبنانيين في ورطة التبعيّة وأوهموا أنفسهم أنهم بقبولهم الأمر الواقع إستعلوا على رفاقهم في الوطن، بل الأخطر من ذلك هو أنهم يشككون في قدرات الأجهزة اللبنانية الشرعيّة في الدفاع عن الوطن... ومن المؤسف أنّ هذا الجهل والتجاهل السياسي للواقع السياسي اللبناني ولحقيقة التمدُد الغريب، يكاد يجعل من بعض المسؤولين أداة لتصفية وطن من الجهد الثقافي والوطني والسياسي الذي إنْ إستمّروا لقضوا على ما تبقى.
إنّ البحث في مستقبل لبنان يرتكز على الأفق السياسي والإجتماعي والأمني القادم في لبنان، ولكن ماذا عن المرتكزات التي سوف يُبنى عليها القرار السياسي العتيد، أي المرتكزات التي من المتوفر إيجادها حاليًا لإسترجاع الدولة من خاطفيها. الجواب واضح أولاً في الأهداف التي أختصرها على الشكل التالي:
أولاً-النهوض السياسي للدولة والمجتمع.
ثانيًا–إعادة تنظيم المرتكزات السياسية الأولية للدولة.
ثالثًا–الإنماء المتوازن للمناطق.
رابعًا–تحقيق الأمن للمواطنين كافة بواسطة القوى الشرعية.
أما ثانيًا في الوسائل فأختصرها على الشكل التالي:
أولاً–إستعادة مداخيل الدولة وضبط حدودها.
ثانيًا–إسترجاع الدولة لكل مرافئها ومرافقها.
ثالثًا–إستيفاء الضرائب والرسوم بشكل صحيح.
رابعًا–تشجيع رأس المال المهاجر للمساهمة في المشاريع الإنمائيّة في الأقضية والأرياف.
خامسًا–حماية الصناعة الوطنية مع تشجيع الإنتاج المحلي.
سادسًا–إصلاح النظام الضريبي.
سابعًا–حصر النفقات، والإلتزام بشروط مجلس الخدمة المدنية بالنسبة لمن هم في خدمة الدولة والناس.
ثامنًا–خطة إسكانية.