كثر الحديث عن مواصفات رئيس الجمهورية المطلوبة لتغيير الواقع المأزوم ووضع لبنان على سكة الحل، والملاحظ أن كثيرين يعلّقون أهمية كبيرة على شخص ومواصفات الرئيس، مع العلم ان نظام لبنان برلمانيا وليس رئاسيا، والرئيس فقد الكثير من صلاحياته بعد الطائف-هذا طبعا اذا حصل انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري ولم نصل الى الشغور الذي يسوقون له-.
إذا ما هي أهمية الإنتخاب وما هي المواصفات التي يجب أن يتحلى بها؟ وهل الرهان على شخص ومواصفاته في التغيير وإرساء الحلّ لمشاكل لبنان المزمنة في محله؟ وبأية شروط؟.
يقول رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية د. بول مرقص عبر "النشرة"، ان رئيس الجمهورية في لبنان بعد التعديلات الدستورية الّتي حصلت في أيلول 1990، والمنبثقة عن اتفاق الطائف جرّدته من الصلاحيات التنفيذيّة التي كانت معطاة له سابقا -وان كان لا يمارسها كلها-وخصوصا لناحية تعيين الوزراء وتسمية رئيس حكومة من بينهم، فلم يعد الأمر على هذا النحو، بحيث أن تشكيل السلطة التنفيذيّة ايّ الحكومة أصبح بيد مجلس النواب، الذي يعبّر عن رأيه ورأي كتله وأفراده عن طريق الإستشارات النّيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية ويطلع رئيس مجلس النواب على نتائجها، وبالتالي لم يعد للرئيس صلاحيات تنفيذيّة، الا انه بقي متمتعا بوزنٍ لا مفرّ من الإقرار به ضمن المعادلة السياسية اللبنانية، وان كان لا يستطيع رسم وجهة الحكومة وطريقة عملها وسياساتها، وبذلك فهو حتى لو لم يكن في النظام الدستوري الجديد حاكما فعليا للجمهورية، الا أنه صاحب صلاحيّة تتجاوز الأمور الإجرائية، الى الحفاظ على وحدة البلاد وسلامتها ودستورها، وكأنه بذلك قد أصبح مجلسا دستوريا بشخصه، بحيث يسهر على احترام الدستور في هذه الجمهورية، وكأنه فوق السلطات بهذا المعنى. من هنا فان الثقل الذي يمثله الرئيس وان كان مجردا من الصلاحيات التنفيذية -التي لم يعد بحاجة اليها بصفته الجديدة هذه- يجعل منه وازنا في العمل السياسي وفي عمل المؤسسات الدستورية عموما...
وانطلاقا من الواقع الحالي يوضح د. مرقص، انّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ليس من شأنه تغيير النتائج المدمّرة التي وصل اليها لبنان مباشرة، الا أن من الأهمية بمكان وصول شخصيّة قياديّة استراتيجية في رؤيتها الى سدّة الرئاسة ان يعيد عجلة الحكم الى الدوران، وان يمثّل فرصة للسلطة التنفيذية اذا كانت راغبة في العمل ومتعاونة للنهوض والانقاذ.
وخلص الى أن انتخاب رئيس للجمهورية من الشروط الضروريّة واللازمة للنهوض وعودة لبنان الى موقعه الذي يستحق، الا ان هذا الشرط لوحده ليس كافيا ما لم تكن الأدوات التنفيذية جاهزة بدورها للإضطلاع بمسؤوليات تنفيذيّة تؤول الى هذا النهوض وهذا الإنقاذ.
اذا نحن بحاجة الى رئيس للجمهورية متمتعا بهذه الصفات الرؤيويّة والاستراتيجيّة دون حاجة لبرنامج تنفيذي بالضرورة، لكننا بحاجة ايضا الى الركن الثاني أو الشرط الثاني لوجود حكومة قادرة وفاعلة.
ويرى المحامي د.بول مرقص ان تكون الحكومة مستقلة أو من المستقلّين التكنوقراط لتكون الاداة التنفيذية الىجانب الرئيس في عمليّة الإنقاذ والنهوض.
يبقى السؤال الأهم، في ظل وجود الخلافات السياسيّة مع مجموعات من رؤساء الميليشيات السابقين الّذين كانوا ضالعين حتّى العظم في الحرب اللبنانية، وهم اليوم يمسكون بمفاصل الدولة ويتحكّمون بها مع روائح فسادهم الّتي ضربت جميع المؤسّسات، هل يَصْلُحون لاختيار رئيس جديد للجمهوريّة "آدمي" من دون أن يكون رئيس عصابة يشبههم وعلى شاكلتهم في النكد السياسي والطائفي والمذهبي لا يُمعن بخراب لبنان أكثر فأكثر فيدمّر معهم البشر والحجر؟!.