من حيث المبدأ، تتفق معظم القوى السياسية على النظر إلى المرحلة الراهنة على أساس أنها مصيرية، خصوصاً بالنسبة إلى قراءة الإستحقاق الرئاسي المقبل، بعد مرور أكثر من 3 سنوات من الإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي، لكن الأهم يبقى في كيفيّة مراقبة التطورات على الساحة المسيحية، المارونية تحديداً، نظراً إلى أنها المعنيّة بشكل مباشر في هذا الإستحقاق، في ظلّ عودة الإنقسامات الحادة إلى الواجهة.
في ظلّ تركيبة النظام اللبناني الطائفية، تعمد مختلف المكونات داخل كل طائفة إلى البحث عن المشتركات، ولو كان ذلك في الخطوط العريضة، عند الوصول إلى الإستحقاقات الكبرى، الأمر الذي يمنعها من الوصول إلى الإنقسامات الحادة التي تقودها إلى أن تدفع ثمن التسويات، وهو ما يبرر، على سبيل المثال، حرص مختلف القوى السنية على إنجاح اللقاء التشاوري، الذي دعت إليه دار الفتوى في الأيام الماضية، بالرغم من حالة الشرذمة التي كانت قد أفرزتها الإنتخابات النيابية.
ما ينطبق على الطائفة السنية، ينطبق أيضاً على الطائفتين الشيعية والدرزية، فالخلافات في وجهات النظر لا تحول دون التوافق التام بين "حزب الله" و"حركة أمل" في الملفات الكبرى، بينما الإجتماع الدرزي، بين كل من رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان ورئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهاب، تكرّر في أكثر من مناسبة في السنوات الماضية، عندما كانت التوترات السياسية من الممكن أن تنعكس على واقع الطائفة، أو تهدد الإستقرار في منطقة الجبل.
على المستوى المسيحي، تقرأ مصادر متابعة، عبر "النشرة"، الواقع من خلال مشهدين، الأول تداعيات الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في العام 1990، ما أدى إلى أن يأتي إتفاق الطائف على حساب المكوّن المسيحي، بينما كانت الترجمة العملية له في نفي الأول إلى فرنسا ودخول الثاني إلى السجن، أما الثاني فهو إتفاق معراب بينهما، في العام 2016، الذي قاد إلى تسليم باقي الأفرقاء بإنتخاب عون رئيساً للجمهورية، بالرغم من وجود غالبية برلمانية كانت ترفض هذا الخيار.
بالنسبة إلى هذه المصادر، بغض النظر عن المسار الذي سلكه إتفاق معراب بعد ذلك أو الملاحظات التي من الممكن أن توضع على ما تضمنه من بنود، خصوصاً أن الخلافات بين الجانبين عادت سريعاً إلى الواجهة، فإن ما تقدم يعطي صورة حقيقية عن النتائج التي من الممكن أن تنجم عن أي إتفاق بينهما، والتي قد يكون أبرزها عدم قدرة باقي الأفرقاء على تجاوزهما أو فرض التسويات عليهما في الإستحقاقات الكبرى.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذا الواقع لا ينطبق اليوم على كيفية التعامل مع الإستحقاق الرئاسي، نظراً إلى أن كلاّ منهما لا يملك القدرة على التأثير وحيداً، بل يحتاج إلى إبرام تفاهمات مع أفرقاء آخرين، وبالتالي سيكون مضطراً على تقديم تنازلات، لكن الأخطر، من وجهة نظرها، هو ذهابهما بعيداً في المواقف التصعيديّة، الأمر الذي من المفترض أن ينعكس حكماً على موقع رئاسة الجمهورية في النظام اللبناني، مع العلم أن الهجمات التي تعرض لها عون، في السنوات الماضية، أثّرت كثيراً على الموقع، حتى ولو كان هو مصرّاً بّالحفاظ على دوره، من خلال مواقفه المتشددة، لا سيما في مراحل تأليف الحكومات.
في هذا السياق، يعتبر النائب السابق اميل رحمه، في حديث لـ"النشرة"، أن الإختلافات داخل أي مكون هي من علامات الديمقراطية، لكنه يعتبر أن الهجوم المركز على رئيس الجمهورية، منذ 3 سنوات حتى اليوم، هو هجوم على الموقع لا على الشخص فقط، وبالتالي هو هجوم ذاتي من القوى المسيحية على نفسها، نظراً إلى أنّ في لبنان خصوصيّة لا يمكن الخروج منها.
في المحصّلة، يلفت رحمه إلى أنه تاريخياً كانت هذه الخلافات موجودة، بين القوى أو الشخصيات المسيحيّة، لكنها لم تصل إلى حد ما يمكن وصفه بـ"الانتحار" أو "إطلاق النار على النفس"، ويشير إلى أنه شخصياً مع الرئاسة، أيّ الموقع، أياً يكن شخص الرئيس، وكم بالحريّ مع الرئيس عون الذي حقّق أكثر من إنجاز لا يمكن تجاهله، والأهم منعه الإقتتال الداخلي والعودة إلى الحرب.