على غرار رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، يردّد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، بشكل غير علني وغير مباشر، كلمة واحدة ثلاث مرات: باقٍ، باقٍ، باقٍ.
في النسخة الاولى، نجح السنيورة في البقاء على الرغم من الشلل الذي رافق البلد لفترة غير قصيرة، قبل الوصول الى تسوية بعد "حرب صغيرة" كان لا بدّ منها. اما اليوم، فلا يبدو ان الاتجاه ينحو نحو طريق "الحرب الصغيرة او الكبيرة"، لذلك استغلّ ميقاتي هذه الفرصة وبدأ ينسخ خيوط الامان الخارجيّة، ولم يفرّط بالمناسبات الدوليّة لتسجيل حضوره وارسال رسالة الى من يهمه الامر ان الخارج لا يمانع التعامل معه، وبالتالي فإنه "مفوّض" نوعاً ما في الالتزام بما يقوله، ما يطمئن بالتالي الاطراف الداخلية الى انها تتعامل مع شخصية باقية في المنصب في المدى المنظور ولن يكون التعاطي معها بشكل مرحلي، انما بشكل طويل نوعاً ما.
بدأت تتضح الصورة اكثر فأكثر بعد الانتخابات النيابية، حيث سحب ميقاتي التمثيل السنّي الرسمي من ايادٍ اخرى حاولت ان تمتدّ الى السراي، ورضي بالعدد القليل من الاصوات التي سمّته، وقبِل بهذا القليل ليحصل على الكثير، والا لما كان اليوم قادرا ًعلى تأمين هذه الشبكة ولا القيام باتصالات دولية، ولكانت وجهة السباق مغايرة تماماً. على ايّ حال، انطلق ميقاتي من معادلة: انا في السراي اذاً انا موجود وباقٍ، وها هو يشق طريقه وفقها للوصول الى "تحديث" Update للحكومة فيطمئن بنسبة مئة في المئة من انه بات ممسكاً بالسلطة التنفيذية في ظل الفراغ الرئاسي الذي سيفرض نفسه لا محال في الاسابيع القليلة المقبلة، لفترة قد تقصر او تطول وفق ما ستفرضه المعطيات والمتغيرات الدولية والاقليمية.
بقاء ميقاتي وحكومة "التحديث" سيكون الهدية المنتظرة للمنظومة الحالية، في ظلّ عدم كفاءة الاطراف الاخرى والضياع الّذي تعاني منه من جهة، والاوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية التي تلقي بكل ثقلها على كاهل الباقين الذين لا يرغبون سوى في عيش حياة كريمة بغض النظر عن السياسة وتعقيداتها والمسؤولين ومحسوبياتهم.
هذا الوضع سينعكس سلباً على ما يعرف اليوم بـ"المعارضة" التي تضم غير المستفيدين من هذا "الستاتيكو" على غرار "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب" وغيرهم، اضافة الى "التغييريين" الذين لم يغيروا شيئاً حتى الساعة ولو بشكل بسيط، فيما سيرافق الامتعاض قوى محسوبة على 8 آذار تصارع من اجل البقاء واستعادة البعض من النفوذ مثل النائب السابق طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب، والحزب القومي المنقسم على نفسه... كل ذلك تحت المجهر الاقليمي والدولي الذي يراقب ويواكب كل خطوة، الى ان يحين الوقت لتحريك المياه الراكدة على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية.
ميقاتي باقٍ، ويبدو ان الحظ يبتسم له، فبعد اسابيع سيغادر رئيس الجمهورية قصر بعبدا، وسيزاح عن كاهل رئيس الحكومة المكلف (قد يكون قد تحول الى رئيس حكومة اصيل) عبء دستوري كبير، فيما ستنحصر العراقيل في وجهه ببعض المناكفات المحدودة في الحكومة ومن قوى المعارضة لأنها لن تحمل التأثير الكبير، لانه قد استعد سلفاً لمثل هذا السيناريو وحصّن نفسه باتفاقات وتفاهمات مع القوى الاساسية، ولن يمانع بقاء الفراغ في منصب الرئاسة الى أمد طويل، فيما سيكون التركيز على تهيئة نفسه لتولي المهمة الحكومية مجدداً مع وصول الرئيس المقبل الى القصر الرئاسي، ويتحدث البعض عن ان هذه الفترة الزمنية ستكون فترة ميقاتي كما كانت الفترة السابقة فترة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الى ان يتأمّن البديل الذي من المتوقع ان يكون من الصعب الاتّفاق عليه وتسهيل مهمّته.