على الرغم مما تضمنه البيان الفرنسي السعودي الأميركي، من دعوة إلى إنتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، لا يبدو أن الأجواء باتت جاهزة من أجل للوصول إلى تسوية في هذا المجال، خصوصاً في ظل غياب الحد الأدنى من التوافق بين الكتل النيابية، سواء كان ذلك بين الحلفاء أو الخصوم.
أول من أمس، كانت هذه المعطيات واضحة في المواقف التي أطلقها رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي يعتبر من أبرز المرشحين في الإستحقاق الحالي، حيث كان من الواضح أن النقاشات داخل قوى الثامن من آذار لم تصل إلى أيّ نتيجة حاسمة، خصوصاً على مستوى التفاهم مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.
في المقابل، لا يبدو أن الواقع على ضفة الكتل النيابية المعارضة أحسن حالا، حيث الخلافات بين أركانها لا تزال تمنع الوصول إلى تفاهم على شخصية واحدة تخوض فيها الإستحقاق الرئاسي، بينما الأنظار تتجه إلى الحراك الذي يقوم به السفير السعودي وليد البخاري، في الوقت الراهن، حيث بات من الواضح أن بلاده تريد أن تلعب دوراً أساسياً في هذا الاستحقاق.
في قراءة مصادر سياسية متابعة، الأجواء الحالية لا توحي بالقدرة على انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية، على قاعدة أن الأمور، على ما يبدو، لا تزال تحتاج إلى بعض الوقت كي تنضج، لكن اللافت هو أن المعطيات توحي بأن الجميع ينتظر شيئاً ما في المرحلة المقبلة، عنوانه الأساسي ميزان القوى على المستوى الإقليمي.
وتشير هذه المصادر إلى أن غالبية القوى السياسية المعنية بهذا الاستحقاق تدرك صعوبة الوصول إلى انتخاب رئيس لا يحظى بموافقة القسم الأكبر من الكتل النيابية، الأمر الذي لم تظهر معالمه حول أيّ اسم من المطروحين حتى الآن، بغض النظر عن المواقف التصعيديّة التي يذهب إليها البعض في الوقت الضائع، نظراً إلى أنّ هذه المواقف لن تقود إلى تبديل المعادلة بأيّ شكل من الأشكال.
في هذا الإطار، توضح المصادر نفسها أنه على المستوى المحلي هناك العديد من الأفرقاء الذين يملكون حق "الفيتو"، لكن الأرجح معظمهم لن يكون قادراً على إستخدامه، وهو ما يبرر عدم إغلاقهم الأبواب أمام كافة الاحتمالات، وهو ما عبر عنه باسيل بشكل واضح عندما تطرّق إلى احتمال تصويت كتلته النيابية لصالح فرنجيّة، بينما على المستوى الخارجي تتعدّد الجهات القادرة على التأثير، لكن لا يبدو أن أيًّا منها في وارد التساهل هذه المرة.
في العام 2016، لم تكن المملكة العربية السعودية راضية عن التسوية الرئاسية، إلا أن هذا الأمر لم يدفعها إلى استخدام "الفيتو"، لكن في الوقت الراهن يبدو أن الرياض هي أكثر اللاعبين الخارجيين المتحمسين إلى لعب دور بارز، الأمر الذي يتمثل بالجولات التي يقوم بها سفيرها في بيروت على بعض الأفرقاء، بالإضافة إلى دعوته غالبيّة النواب السنّة إلى الاجتماع اليوم.
من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، هذه الحماسة السعودية لا تعني القدرة على فرض أيّ اسم، حتى ولو كانت مدعومة أميركياً وفرنسياً، مع العلم أنّ واشنطن وباريس لا تلتقيان مع توجّهات الرياض بشكل كامل، بل هناك مجموعة من الخلافات في النظرة إلى الملف اللبناني، نظراً إلى وجود لاعبين آخرين مؤثّرين في الساحة المحلية سيكون لهم كلمتهم الحاسمة في نهاية المطاف.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ النقطة المفصليّة في هذا المجال ستكون عند بدء الإعلان عن الترشيحات بشكل رسمي، حيث من المفترض أن تظهر التوجّهات بشكل واضح، بالرغم من قناعتها بأن الجولة الأولى من هذه العمليّة قد تكون لتمرير الوقت فقط لا أكثر، على قاعدة أنّ أيّ جهة لن تذهب إلى طرح الأسماء الجدّية التي ترغب بها قبل تأمين الحدّ الأدنى من التوافق حولها.
في المحصّلة، اللحظة الحاسمة على المستوى الرئاسي لم يحن موعدها بعد، بل من الممكن الحديث عن أنّ كل فريق لا يزال في مرحلة تحضير أوراق قوّته، لكن لدى المصادر نفسها قناعة بأنّ الأمور قد تتبدّل فيما يسجّل ضغطاً دولياً كبيراً باتجاه الإنتهاء من هذا الإستحقاق ضمن المهلة الدستوريّة، نظراً إلى أن هذا الأمر سيقود إلى حشر الجميع في الوقت، لكن في المقابل هي تؤكد أن الانتخابات لن تحصل من دون تسوية واضحة المعالم.