قبل نحو أسبوع من اليوم، كانت معظم القوى السياسية المحلية تتحدث عن "لبننة" الإستحقاق الرئاسي، على قاعدة أن غالبية القوى الدولية والإقليمية المؤثرة منشغلة بملفات أكثر أهمية، الأمر الذي فتح الباب أمام البعض لطرح مبادرات، بينما كان البعض الآخر ينشغل في لعبة المواصفات، من دون أي يذهب أي فريق إلى الإعلان عن تبنّيه أيّ اسم أو مجموعة من الأسماء.
إنطلاقاً من ذلك، كان الجميع يسلّم بمعادلة الشغور في رئاسة الجمهورية، على قاعدة أن الخلافات بين الأفرقاء المحليين، في ظل التوازنات القائمة في المجلس النيابي، ستحول دون إنتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، الأمر الذي أعاد احياء مفاوضات تأليف الحكومة، بهدف منع الوصول إلى الشغور في ظلّ حكومة تصريف أعمال، مع ما يعنيه ذلك من أزمة على المستويين السياسي والدستوري.
في الأيام الماضية تبدّل هذا الواقع، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، نظراً إلى أن معالم تدويل الملف اللبناني ظهرت بشكل لا يقبل الشك، سواء كان ذلك من خلال البيان الثلاثي الفرنسي الأميركي السعودي، أو من خلال اللقاء الذي عقد في السفارة السعودية لمجموعة من النواب السنة، مباشرة بعد اللقاء الذي كان قد عقد في دار الفتوى، وبالتالي خرج الإستحقاق الرئاسي من دائرة "اللبننة" التي كان يطمح إليها البعض.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تلعب المؤثرات الخارجية دوراً أساسياً في الإنتخابات الرئاسية، تلفت إلى أن الأمور في هذا الإستحقاق قد تكون أوضح، نظراً إلى أن التوازنات المحلية تسمح بذلك، فالجميع يدرك أن التباينات قادت الأفرقاء المتخاصمين إلى التلويح بلعبة النصاب، أي عرقلة الإنتخاب إلى حين الوصول إلى إتفاق يراعي شروطهم المتناقضة، التي من الصعب التوفيق فيما بينها.
بناء على ما تقدم، بات السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه اليوم يتعلق بتداعيات هذا التدويل على الإستحقاق الرئاسي، الذي ينظر إليه على قاعدة أنّه سيقود البلاد إلى مرحلة جديدة، فهل يمهّد ذلك إلى تسوية بين مختلف اللاعبين الخارجيين المؤثّرين تنعكس على مواقف الأفرقاء المحليين، أم يقود إلى تعقيد الأزمة بشكل أكبر، وهو ما دفع البعض إلى وصف تدخل السفارات بـ"نذير شؤم".
من وجهة نظر المصادر السياسية المطلعة، ليس هناك من توجه محسوم، نظراً إلى أنّ غالبية القوى لا تزال في مرحلة تجميع أوراق قوّتها، وتوضح أنه حتى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أول المتحركين على هذا الصعيد، تدرك أن الإنتقال إلى أي خطوة عملية سيضعف الصورة الجامعة التي تسعى إليها، لا سيما على الساحة السنية، على إعتبار وجود عدد لا يستاهن به من النواب لن يكونوا على توافق معها، لا بل تلفت إلى أنّ الإعتراضات بدأت بالظهور، وهي ستتوضح أكثر في المرحلة المقبلة.
وترى هذه المصادر أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة في تأكيد المسار الذي ستسلكه الأزمة، إنطلاقاً من الإستحقاق الرئاسي، حيث تشير إلى أنّ الأمور متوقّفة على إمكانيّة الوصول إلى تسوية، تبدأ من الإتفاق على رئيس جديد، أو الذهاب إلى التصعيد، الذي سيكون عبر البوابة نفسها، نظراً إلى أن بعض الجهات ستكون حاضرة لتحريك الشارع، تحت عنوان المطالبة بإنتخاب رئيس جديد، لكنّها تؤكّد أن جميع الأفرقاء باتوا مضغوطين بعامل الوقت.
في المحصلة، لدى المصادر نفسها قناعة بأنّ الحل يكمن بتسليم مختلف اللاعبين بأنهم ليسوا وحيدين في الساحة، أي لا يمكن لأي جهة أن تأخذ كل ما تريده من مطالب أو شروط، وبالتالي المخرج يكون بالتوصل إلى تفاهمات يتولى أحد الوسطاء رعايتها، الرهان الأساسي في هذا المجال على الجانب الفرنسي، لكن السؤال يبقى دائماً هو عن الثمن، فهل ستأتي التسوية تحت الضغط أم في أجواء هادئة تحول دون ترتيب المزيد من الخسائر؟.