تمتلئ نشرات الأخبار العالمية، بصعود "اليمين الأوروبي المتطرف" ونجاحه في الإنتخابات المحلية والرئاسية .ونقوم نحن بتردادها ببغائيا بقدر ما يتم تكرارها في وسائل الأعلام، اليمين المتطرف، في أيطاليا، السويد، أنكلترا وفرنسا…
لن أذهب بعيدًا في تحليل من هم اليمين ومن هم اليسار، في المفهومين الإجتماعي والإقتصادي لنشوء الأمم والصراع الطبقي، حتى لا نكرر المكرر، لا علاقة لهذا اليمين اليوم، بالمفاهيم الماركسيّة-اللينينيّة (ماركس ولينين).
هذا يمين مختلف، إذ أن توجهاته الإقتصادية-الإجتماعية، يسارية أشتراكية بحتة… فإذا هو ليس بصراع طبقي، بل صراع قومي بإمتياز.
إنطلق المفهوم الحديث "لليمين المتطرف" في وسائل الإعلام الأميركي عن قصد، وبعد دراسة معمّقة، تلقفها الإعلام الأوروبي ورددها بدون الغوص في معانيها وتردداتها السلبية على أوطانهم .
أميركا بتركيبتها البنيوية العميقة، عبارة عن تجمع للجينات البشريّة من كل أصقاع الأرض، مختبر كبير، تم جمع كل أنواع العينات داخله، لا تاريخ ولا عادات ولا جغرافيا ولا حتى لغّة تجمعهم، ما يربطهم واحد، الحلم الأميركي بالبحبوحة والمال في دولة بُنيت على جماجم أصحاب الأرض الأصليين.
وهذا ما يميز هذه الدولة عن كل الدول الاخرى. وهذا هو المثال المحتذى، الذي تحاول فرضه دولة لا تاريخ ولا حتى جغرافيا لها، بنيت بطريقة توسعية على حساب غيرها.
خذوا تكساس المكسيكية، أو ألاسكا الروسية، و حتى جزر هاواي مثالًا .أما تاريخها و قانونها، عمره 200 عامًا ونيف، عبارة عن كاوبوي ومسدس وهنود حمر تحت التراب أو في المعتقلات .ولغتها، فحدّث بلا حرج، كألوان قوس القزح، من الأسبانية الى الصينية والافريقية، مرورًا بالإيطالية والألمانية والإيرلندية، وطغت عليهم الإنكليزية، لغة الأبيض المنتصر .
أما ما يسمى زورًا وبهتانًا، باليمين المتطرف، في الدول كافة، ما هو إلا، الصحوة القومية للشعوب، شعوب رافضة لتسطيح مبادئها وأخلاقها مفاهيمها والأهم مصالحها الآنية واللاحقة، تحت مسميات مختلفة، صحوة لشعوب ترى نفسها في طريق الإندثار والإنحلال.
هو حراك قومي بأمتياز، يعود فيه كل مكوّن أجتماعي بشري، الى أصوله القومية الأصيلة، ويطالب فيه بحقوق أمّته، المبنية على جذوره التاريخية الجغرافية، وعاداته ولغته وتقاليده ونظرته للحياة .
لذلك تشنّ حربا ضروسا على كل الصحوات القوميّة في أوروبا وكافة بلدان العالم. (إلا في الأماكن التي لأميركا مصلحة فيها، لتأجيج صراعات داخلية).
فاقد الشيء لا يعطيه، وأميركا غير قابلة للتغيير بروحيتها الاستعمارية، وتركيبة مجتمعها الهجينة، أما أوروبا خصوصًا والعالم برمته، سيدفع ثمن هذه السياسات العقيمة. وقد شاهدنا الصراعات على البقاء داخل القارة الأوروبية، إبّان جائحة الكورونا .فانتظروا اليوم وبعد حرب أوكرانيا والغاز، اضطرابات وانقلابات داخلية في الدول، وتقدم النزعة القومية، تحت أسماء حزبيّة مختلفة، ووصولها الى مراكز متقدمة في السلطة السياسية.
أنظروا الى روسيا، الصين، الهند، إيران أو حتى تركيا، صراعهم مع الأميركي أو مع جزءٍ منهم، ليس بديني أو طبقي أو سياسي، صراعهم صراع مصالح قوميّة روسيّة أو فارسيّة أو صينيّة…
مصالح الأمم و أستمراريتها، وتحديها لأحادية الاستئثار بالقرار العالمي تبنى فقط بالنهضة القومية، هذا ما ستثبته الأيام…