في نهاية الجلسة الأولى لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، كانت لافتة الرسالة التي بعث بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عندما أشار إلى أن موعد الجلسة المقبلة يحدده عندما يلمس توافقاً ما وإلا لكل حادث حديث، الأمر الذي دفع البعض إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول المقصود بذلك، خصوصاً أن هناك من ألمح إلى أنّ التوازنات التي ظهرت أثبتت قدرة قوى الثامن من آذار على إنتخاب رئيس من صفوفها، على أساس عدد الأوراق البيضاء الذي وصل إلى 63.
في هذا الإطار، تكشف مصادر نيّابية متابعة، عبر "النشرة"، أنّ المقصود برسالة بري هو أنه مستعد لدعوة المجلس إلى الإجتماع في حال كان هناك إمكانيّة لإنتخاب رئيس جديد، بعد أن ضمن الإحتفاظ بحقه الدستوري من خلال الدعوة إلى الجلسة الأولى، لكن في حال عدم حصول ذلك فإنّ الأمور مرهونة بالأيام العشرة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث يكون المجلس في حالة إنعقاد حكماً.
من وجهة نظر هذه المصادر، غياب التوافق يعني أنّ لعبة النصاب ستكون هي نجم أيّ جلسة تتم الدعوة إليها، نظراً إلى أن ليس هناك من فريق سيوافق على فتح الباب أمام إمكانية إنتخاب رئيس لا يحظى بموافقته، أيّ تأمين القدرة على إيصال شخصية بغالبية 65 نائباً، وبالتالي عمليّة الإنتخاب تتطلب تأمين 86 نائباً، الأمر الذي لا يملك أيّ فريق القدرة على توفيره من دون باقي الأفرقاء.
إنطلاقاً من ذلك، تقرأ المصادر نفسها الحديث عن قدرة قوى الثامن من آذار مع "التيار الوطني الحر" على إنتخاب رئيس بالتوافق بين الجانبين، حيث تعتبر الأمر بعيدا عن الواقع بسبب عدم قدرتهما على تأمين النصاب أولاً، الذي كان بري قد أكد أنه 86 نائباً في جميع الجلسات، في حين أنّ خيار الورقة البيضاء الذي تم التوافق عليه في الجلسة الأولى يعكس خلفه مجموعة من الخلافات.
وتوضح المصادر النيابية المتابعة أنّ هذا الخيار كان عند البعض تأييداً غير مباشر لترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، بينما لدى البعض الآخر حفاظاً على بوابة "التيار الوطني الحر" الإلزاميّة، لكن في المقابل عند المحرّك الأساسي كانت إستعراضاً لتوازن القوى داخل المجلس النيابي، أي عدم القدرة على فرض رئيس لا يحظى بموافقته، على قاعدة أنه ينطلق بالحد الأدنى من 60 نائباً.
على الرغم من ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن هذه القوى هي في الأصل غير متحمسة لخيار إنتخاب رئيس جديد يكون محسوب بالكامل عليها، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، لا سيما على مستوى علاقات لبنان مع الدول العربيّة والغربيّة، في حين أنّ التجربة أثبتت أن هذا الخيار سيكون له أكلافا باهظة لا يمكن تحمّلها، بدليل ما حصل في عهد الرئيس الحالي، وبالتالي هو في حال حصوله سيكون عبارة عن تحمّل مسؤوليّة الأزمة لمدة 6 سنوات إضافية.
وتوضح المصادر نفسها أنه على عكس ما يتصوّره، بعض الأفرقاء الأساسيين في هذا الفريق يريدون التسوية، التي يعبر عنها بشكل واضح رئيس المجلس النيابي في جميع مواقفه، والتي تفتح الباب أمام الخروج من الأزمة القائمة في البلاد، من خلال رئيس يحظى بغطاء إقليمي ودولي، الأمر الذي لا يمكن أن يتمّ من دون تدخل خارجي واضح المعالم، حتى ولو كان الوقت لذلك لم يحن بعد، وتضيف: "ما تقدم لا يعني التخلّي المسبق عن الأسماء الموجودة، لكن في المقابل لا يغلق الأبواب أمام الرغبة بالتوافق على أيّ إسم تنطبق عليه المواصفات الضرورية".
في المحصّلة، الواقع الحالي يؤكّد العجز المحلّي القائم منذ 3 سنوات، في إنتظار التسوية الكبرى التي تدفع الجميع إلى ربط مصير البلاد بإستحقاقات خارجيّة قد تطول، على وقع فيتوات متبادلة لمنع كسر التوازن لصالح أي فريق، بالتزامن مع خشية من المبادرة إلى تحمل المسؤولية، في ظلّ القلق من الإنهيارات المستمرة على كافة المستويات.