كان ينقص اللبناني هذه الأزمات التي يتخبّط فيها، كي يعيش التّعصيب والتوتّر، الأمر الذي انعكس سلبًا على العلاقات بين الناس. وخصوصًا الأهل والأصدقاء.
قد يغفل عن بالنا أن سنين الإنسان معدودة، وفيما نحن نحلم بالغد، نتناسى أن نعيش اليوم ونأخذ حقّنا منه. فاليوم لن يرجع وسيعبر مرور الكرام، دون أن نترك بصمة إيجابية فيه، ونتغاضى عن الهفوات التي تُرتكب في حق كلّ واحد منّا، ونحاسب أنفسنا عن كلّ ذنب نقترفه في حقّ الآخر.
البعض يعيش سعادة مطلقة، رغم الظروف الصعبة، وهذا ناتج عن سلامه الداخلي، كونه متصالحًا مع نفسه والآخرين، إذ بادر إلى فتح باب قلبه لنعمة الله، التي صيّرته هادئًا وحكيمًا، ولم تستدرجه حيل الشرير للسقوط في الغضب والتوتّر. فسرّ السعادة يأتي من فوق، من لدن الله، ونحن نترجمه بالصلاة والمحبّة والعطاء والتّسامح. الذي يشرب من هذه الفضائل يبتعد عن التعصيب والتوتّر، ويدخل في حياة هادئة ساكنة لا انفعالات فيها ولا تشنّجات، وبالتالي يحفظ لسانه من الإنزلاق والتفوّه بكلمات لا تليق بمن آمن بالله. فالصبر هو من شيم الكبار.
أحدهم سأل راهبًا: لماذا الحزن فارق وجهك؟ فقال، بينما كنت راكعًا أصلّي وقع منّي.
لا تخلو البشريّة من التوتّرات الناتجة عن أسباب كثيرة ومتعدّدة، ومنها الضغوطات النفسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة والأمنيّة، كحالنا في هذا البلد، إلا أنّ البعض يتمتّع بالحكمة التي تؤهّله لحلّ النزاعات والمشاكل، دون تعصيب أو توتّر بالحدّ الأدنى، والبعض الآخر تحرّكه أعصابه فتجرفه غرائزه لدرجة الغضب. الكبار في الإيمان ينظرون إلى النصف الملآن من الكوب. العبرة إذًا في عمق الإيمان.
الأخطر في نتائج التوتّر والتّعصيب، هو السلاح المتفلّت بيد شريحة من الناس، حيث يلجأون إليه عند أيّ مشكل، وبسبب من التّعصيب اللامحدود والتوتّر الإنفعالي، يصبح السلاح سيّد الموقف، وكم من بريء يدفع الثمن غاليًا، لغياب المسؤولية والحكمة في التصرّف. أليس هذا ما نشهده هنا؟.
تتخطّى ردّات الفعل اللامسؤولة الأشخاص الموتورين، لنتفاجأ بما يوصف "بأولاد البيت"، ومنهم أفرادٌ في مراكز ومسؤوليات عامّة، ومن المفترض أن يستوعبوا الآخرين للحفاظ على سمعتهم ومكانتهم وكرامتهم. لا يمكننا مخاطبة شخص إلا وتتفاجأ بقوله: "تركني معصّب وموتّر"، وهذا دليل على أن كثيرين من الناس نسوا وجود الله في حياتهم، وبالتالي باتوا عبيدًا للشرّير. هذا لا يتلاءم مع أفراد انتقتهم جماعات للخدمة العامّة. بموضع آخر، لا يمكن للمتزوّجين أن يحلّوا مشاكلهم بالتوتّر والتّعصيب، فالأولاد سيدفعون الثمن غاليًا، والنتيجة تفكّك العائلة وزوالها. حتى أصحاب المؤسّسات لا يمكنهم إتّخاذ قرارات متسرّعة، ناتجة عن أوضاع متوتّرة، وهذا ينطبق على كل مسؤول، من زمنيّين وروحيّين، وصولاً إلى العسكريّين.
ليست المسؤولية مزاجيّة، ولا القيادة انتقائيّة، ولا الإدارة استنسابيّة، بل من يملك روح الحكمة وروح الفهم، ينجح في القيادة حتى ولو عصّب وغضب، دون أن يسقط في الخطايا.
أن تغضب أحيانًا فهذا أمر بشري، أما أن تضع حدًا للغضب فهذا أمر سماوي. الغضب خطيئة يفقد بسببها الإنسان سلامه الداخلي، وتضعف عنده المحبّة نحو الآخرين بل والغيظ، وبسببها ينطق بكلمات مؤّلمة ولاذعة تجاه الناس، ويقوم بتصرّفات مؤذية تجاههم. لكي تفرح عليك بخدمة الآخرين، والأم تريزا القدّيسة خير مثال في الخدمة، التي عاشت الفرح من خلالها، وأدخلته إلى قلوب الناس، الخدمة بفرح صيّرتها قدّيسة.
إن سقطنا في هوّة الغضب فلنبادر بسرعة للنهوض منها بالاعتذار وإعادة التفاهم والحب، قبل أن تغرب الشمس، فنستعيد سلامنا وسلام من حولنا. نحن على رجاء أن نصحو على يومٍ يكون فيه السلام والهدوء والمحبّة أسيادًا على حياتنا. حتى ذلك الوقت، فلنتذكّر كلام بولس في رسالة أفسس: اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ"(أفسس ٤: ٢٦).