أشار السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف، في حديث لـ"النشرة"، إلى أننا "نشهد على الساحة العالمية قيام وتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب"، لافتاً إلى أن "هذا التحول ذات الطابع الموضوعي، الطبيعي والحتمي، يحظى بدعم روسيا، التي تدافع وتؤيد بقوّة مبدأ المساواة في السيادة بين الدول".
وأوضح أن "مثل هذا التطور في العلاقات الدولية لا يرضي الولايات المتحدة وأتباعها. فتحاول واشنطن، بكل ما تملكه من قوة، الاحتفاظ بهيمنتها الدولية الآيلة إلى الزوال"، معتبراً أن "الغرب عمد إلى جر روسيا إلى الأحداث في أوكرانيا، ولكن ورغم ذلك، تعمل هذه الأحداث على تسريع عملية إنشاء هيكليّة وبنية جديدة للعلاقات بين الدول".
ورداً على سؤال، أشار إلى أننا "لا نميل في روسيا إلى إيجاد أو اسقاط أي أوجه تشابه مع حقبة الحرب الباردة. وحتى في ذلك الوقت، ظلّت دول كتلة الناتو ملتزمة بروح الأفعال القانونية الدولية الأساسية، على عكس ما يجري حالياً، وظلّ الاحترام في العلاقة بين المعسكرين المتعارضين قائماً"، مشدداً على أن بلاده "لطالما كانت منفتحة على الحوار الصادق مع جميع ممثلي المجتمع الدولي، لكن استمرار الدول الغربيّة في ألعابها الجيوسياسية الجشعة، وبهلواناتهم المتفلتّة والخارجة عن السيطرة على حافة هاوية التصعيد الدولي، تسبب قلقاً بالغاً".
روسيا لم تهدد بالأسلحة النووية
أما بالنسبة إلى التهديدات بإستخدام الأسلحة النوويّة والأسباب التي قد تدفع موسكو إلى اللجوء إلى هذا النوع منها، لفت السفير الروسي إلى أن "الولايات المتحدة، هي البلد الوحيد في تاريخ البشرية الذي استعملها قتالياً ولأهداف غير مبررة، ونشدد على كلمة غير مبررة، من وجهة نظر الاستراتيجية العسكرية للقنابل النووية"، مشيراً إلى أنه "في السنوات الأخيرة، تم توجيه تهديدات بامتلاك أسلحة نووية، مصحوبة بدعوات لتدمير جميع الروس، من قبل الممثلين الرسميين للنظام النازي الجديد الذي استولى على السلطة بشكل غير قانوني في أوكرانيا"، مؤكداً أن "روسيا لم تهدد أحداً وأبدا بالأسلحة النووية، ولدينا وثيقة واضحة ومتاحة للعموم حول أساسيات سياسة الدولة للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي تتضمن كل شيء، ويمكن الاطلاع عليها".
وفيما يتعلق بإمكانيّة إنتقال الصراع القائم في أوروبا إلى الشرق الأوسط، بعد أن عادت موسكو لتكون أحد أبرز اللاعبين في المنطقة منذ دخولها الحرب السورية، أوضح أن موسكو "شاركت في القتال على أراضي سوريا بناء على طلب من حكومتها الرسميّة. وتم بفضل المساهمة الحاسمة للقوات المسلحة الروسيّة توجيه ضربة ساحقة لداعش، وتم إيقاف تقدم الإرهابيين إلى الغرب ومنع استيلاءهم على كامل الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط"، مشيراً إلى أنه "على المحور الاوكراني، فاننا نخطط لتلقين النازيين الذين رفعوا رؤوسهم مرة أخرى، وأسيادهم الغربيين، الرافضين مجرد وجود دول مستقلة وشعوب حرّة على هذا الكوكب تريد أن تعيش وفقا لعاداتها وتقاليدها، وليس بناء على طلب من الخارج، درساً مناسباً ورداً جديراً"، مضيفاً: "دور روسيا التاريخي، بكل تواضع وبعيداً عن اي ابتذال وتعالٍ، هو بالتحديد مكافحة الشر العالمي. أوقفت روسيا نابليون بونابارت وأدولف هتلر، لأنهما سعيا إلى استعباد الكوكب بأكمله واغراقه في الدم. وحافظنا رغم ذلك على فرنسا وكنا المبادرين في بعث ألمانيا. ونحن اذن لا ولم نخطط ابداً لنقل العمليات العسكرية إلى الشرق الأوسط. روسيا دولة محبّة للسلام. ومن مصلحتنا تعزيزه مع الاستقرار في المنطقة".
وأوضح أن "اللقطات الوحشية والبربرية، التي تم التقاطها مؤخراً من قبل ممثلي الجيش الأوكراني في كوبيانسك في 9 تشرين الأول، حفيظة الشعب الروسي"، مشدداً على أنه "من الصعب تسميتهم قوات عسكرية نظاميّة، لوحشية أفعالهم الإجراميّة"، لافتاً إلى أن "النازي الذي نشر الفيديو، الفظائع المعروضة على أنها انتقام من "المتعاونين مع الروس"، ثم عاد هذا المجرم لاحقاً لتعديل ما نشره، مدركاً على ما يبدو شدة العواقب الحتمية لقباحاته"، قائلاً: "البيانات الوصفية لمواد الفيديو تؤكد حقيقة أن التصوير تم بعد انسحاب القوات الروسية من هذه المنطقة"، ومضيفاً: "أعلم أن بعض ممثلي المجتمع اللبناني يواصلون التعاطف مع نظام كييف. أعتقد أنهم لا يعرفون الحقيقة الكاملة حول ما يحدث في أوكرانيا حتى الآن".
لبنان والنأي بالنفس
من ناحية أخرى، تطرق السفير الروسي إلى الموقف اللبناني من العمليّة العسكرية في أوكرانيا، معرباً عن عدم إعتقاده بأنّ "أيّ حوادث أو ظروف دوليّة يمكن أن يكون لها إسقاط سلبي على واقع حال العلاقات الودّية الروسيّة اللبنانيّة التي اجتازت كل اختبارات الزمن"، معتبراً أن "موقف لبنان الرسمي من الأحداث في أوكرانيا، الذي يصلنا وبشكل شخصي من شركائنا وزملائنا اللبنانيين، هو مبدأ النأي بالنفس عن الصراعات، والسعي إلى حلّ المشاكل الدولية بالوسائل السياسية والدبلوماسية السلمية".
ولفت إلى أننا "بدورنا نتبنى تماما المنهجيّة اللبنانيّة المذكورة. ولطالما قدّمنا على سبيل المثال، وبأناة وطول بال، لزملائنا الغربيين خيارات مختلفة لإنشاء نظام أمن عالمي متساوٍ وغير قابل للتجزئة. ودعونا إلى تنفيذ اتفاقات مينسك للتسوية في دونباس. وما زلنا منفتحين على بدء محادثات السلام منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا".
ورداً على سؤال حول الإبتعاد الروسي عن الحراك الدولي القائم في الساحة اللبنانية، أشار إلى أنه "لا أحبذ الخلط بين ما يسمّى اللامبالاة بالشؤون اللبنانية مع التزام روسيا بالمبدأ الصارم للسياسة الخارجيّة بعدم التدخل في الشؤون الداخليّة للدول ذات السيادة"، موضحاً أن "روسيا ولبنان، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1944، قطعا طريقاً طويلاً من العلاقات التي تميّزت دائما بطبيعتها الودّية. وتعلق موسكو أهمية كبيرة على زيادة تطويرها وتعزيزها. ويستمر الحوار البناء والعميق مع قيادة معظم القوى السياسية الرائدة وكافة قادة الطوائف والمذاهب اللبنانية".
وأضاف: "نحن بشكل عام راضون عن مستوى التفاعل السياسي بين بلدينا. وقد قدرنا القرار الذي اتخذه لبنان بأن يصبح أحد المشاركين في صياغة مشروع القرار الروسي الصادر عن الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مكافحة تمجيد النازية"، مذكراً بأن "الولايات المتّحدة وأوكرانيا فقط صوتا ضد هذه الوثيقة، التي تدين مظاهر النازّية الجديدة وتصاعد الأشكال الحديثة للعنصريّة والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتّصل بذلك من تعصّب"، مضيفاً: "نعوّل على متابعة لبنان لهذا التوجه في السياسة الخارجيّة خلال الدورة الحاليّة للجمعيّة العامة للأمم المتحدة".
لا بديل للغاز الروسي
ورداً على سؤال حول الموقف الروسي من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي تتعامل معه الدول الغربيّة على أساس أنه سيؤمّن مصدراً جديداً بديلاً عن الغاز الروسي للدول الأوروبية، أشار السفير الروسي إلى أننا "نتابع عن كثب الجهود الرامية إلى التوافق على طرائق تعيين الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل"، لافتاً إلى أننا "نعتقد أنه من المهم تسوية هذه القضية في أقرب وقت ممكن بمشاركة حاسمة من الأمم المتحدة، خاصة بالأخذ في الاعتبار للوضع الصعب للاقتصاد اللبناني واكتشاف رواسب غنيّة من الهيدروكربونات في الجزء المتنازع عليه من الحيّز البحري".
أما بالنسبة لمحاولات إيجاد بديل للغاز الروسي الرخيص الثمن في السوق الأوروبية، رأى أن "من المستحيل القيام بذلك في مثل هذا الوقت القصير، إن من حيث ضمان الكميات المطلوبة من الإمدادات أو من حيث اسعارها المقبولة والمناسبة".
التعاون الثنائي
على صعيد متصل، لفت السفير الروسي إلى أنّ "موسكو لطالما أولت شديد الاهتمام لطلبات الأصدقاء اللبنانيين"، كاشفاً أنّ "حكومة الاتحاد الروسي تبحث في مسألة وهب لبنان القمح والمنتجات النفطيّة، وغني عن القول أنّ دراسة مثل هذا الاحتمال تستغرق بعض الوقت"...
وأوضح أنه "وصلت إلى لبنان، هذا العام، عدة شحنات من زيت دوار الشمس الروسي بوزن إجمالي يبلغ 432.63 طناً، وذلك عبر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وسيتم توزيعه على المؤسسات التعليميّة اللبنانيّة. ونحن على قناعة بأنّ هذه البادرة الإنسانية ستوفر الدعم المطلوب وفي الوقت المناسب لأسر تلاميذ المدارس اللبنانيّة"، مشيراً إلى أنه "يتم سنوياً تقديم منح دراسيّة للراغبين والمؤهّلين من الطلاب اللبنانيين للتعلم في روسيا مجاناً".
ولفت إلى أننا "نعمل على تكثيف التعاون الثنائي في عدد من المجالات، بما في ذلك الطاقة والطبّ والزراعة والنقل والتعاون الجمركي وتكنولوجيا المعلومات. ووفقا لتقديراتنا، فإنّ النجاح في إجراء الانتخابات المقبلة في لبنان واستعادة السلطات الرسميّة الوطنيّة ثباتها ونشاطها، سيعطي زخماً نوعياً لهذه الجهود"، مضيفاً: "وما زلنا منفتحين على دراسة أي مقترحات للشركاء اللبنانيين بشأن تطوير وتوسيع تعاوننا التجاري والاقتصادي".
النازحون والدور الروسي
فيما يتعلق بملفّ النازحين السوريين، أشار السفير الروسي إلى أننا "نتفهم جيداً مشكلة وجود ما يصل إلى مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان. وقد واجهت العديد من الدول مثل هذه المشكلة"، لافتاً إلى أن بلاده "في العام 2018، أخذت زمام المبادرة لتنظيم التعاون الدولي لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى أماكن إقامتهم الدائمة في سوريا. وتم افتتاح، ولا يزال يعمل، مركز استقبالهم وتوزيعهم هناك، كما تم إنشاء مقر تنسيق مشترك بين الإدارات في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الروسية بهدف حل هذه القضية".
وأوضح أن "بيروت تؤيد جهودنا المشتركة مع الحكومة السورية في هذا المجال، حيث يشارك لبنان كمراقب في الاجتماعات الدولية حول سوريا في اطار "صيغة أستانا" التي اثبتت فعاليتها، وتم إرسال وفد لبناني إلى المؤتمر الدولي المتخصص في اللاجئين السوريين في دمشق في تشرين الثاني من عام 2020، ويؤكد اللبنانيون استعدادهم المبدئي لاستضافة حدث ثان مشابه بمجرد أن تسمح الظروف بذلك".
واعتبر أن "المشكلة هي أنّ الدول الغربية تبذل كل ما في وسعها لمنع كل هذه البدايات والمبادرات الخيّرة والجيّدة، في محاولة لاستخدام مصير ملايين الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم كورقة مساومة في ألعابهم الجيوسياسيّة الجشعة".