منذ بروز نتائج الإنتخابات النيابية، كان من الواضح أن النواب المحسوبين على القوى التغييريّة سيكونوا أكثر من سيتم التركيز عليهم بأي خطوة يقومون بها، بسبب الآمال المعلقة من قبل الناخبين الذين صوتوا لهم، بالإضافة إلى تأثير أدائهم على حظوظ هذا التوجه في الإنتخابات المقبلة في العام 2026، وبالتالي كان الإتفاق على ضرورة إعطاء هذه التجربة فرصتها، كي يبنى على الشيء مقتضاه لاحقاً.
في هذا السياق، قد يكون لافتاً أن الخلافات، بين هؤلاء، تفجّرت بشكل واضح في ذكرى 17 تشرين الأول، أيّ تاريخ الإنتفاضة الشعبية التي ينطلقون منها، بعد أن كان يجري العمل على تطويقها، كي لا تقود إلى أي إنقسام فيما بينهم، الأمر الذي قد يكون مؤشراً سلبياً.
من حيث المبدأ، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الإنقسام بات وارداً اليوم أكثر من أي وقت مضى، نظراً إلى أنّ الخلافات بين النواب الذين يأتون من خلفيّات مختلفة، كبيرة، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى الحديث عن أن خروج بعضهم من التكتل قد يكون مفيداً، مع وجود صعوبات في جمعهم على توجهات مختلفة، لا سيما أن هذه الخلافات تعيق عملية إتخاذ القرار في بعض الأحيان، وبالتالي لا يمكن الإستمرار بها.
على هذا الصعيد، عمد النائب ميشال الدويهي للإعلان صراحة أنه سيكون لديه مرشحاً لرئاسة الجمهورية، في الجلسة النيابية المقررة يوم الخميس المقبل، بغض النظر عن موقف التكتل، في حين وجه النائب وضاح الصادق إنتقادات لاذعة لزميله إبراهيم منيمنة، بسبب الحديث عن مشاركة الأخير في العشاء الذي تنظمه السفارة السويسرية في بيروت.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، هناك مجموعة واسعة من العناوين الأساسية التي ليست موضع إجماع بين النواب التغييريين، منها على سبيل المثال الموقف من إتفاق الطائف والسياسات الإقتصادية والإجتماعية، من دون تجاهل تلك التي من الممكن نسبها إلى الإنقسام التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، لكن الأهم هو عدم وجود آلية واضحة لعملية إتخاذ القرار، ما يفرض في معظم الأوقات التوافق، على عكس آلية عمل مختلف الكتل النيابية الأخرى.
في قراءة مصادر أخرى، منذ البداية لم يكن من السهل التوافق بين جميع النواب التغييريين، خصوصاً أنهم في الأصل لم يخوضوا الإنتخابات على أساس برنامج واحد، بل على العكس، بعضهم كان يتنافس مع بعضهم الآخر ضمن الدائرة الإنتخابية نفسها، لكن بعد نجاحهم تعمدوا التركيز على الصورة الجامعة، على أن يتم مناقشة المشروع في مرحلة لاحقة.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع لم يعد من الممكن الإستمرار به، نظراً إلى أن بعض النواب باتوا يفضلون المشروع على الصورة الجامعة، وبالتالي لم يعد الإنقسام يمثل هاجساً لديهم، طالما أنهم يعتبرون أنه سيكون مفيداً على مستوى آلية العمل، مع العلم أن هذا الامر يمثل صورة واقعية عما أفرزته الإنتفاضة، نظراً إلى أنه منذ البداية كان من الصعب الحديث عن برنامج أو توجه واحد بين مختلف المجموعات، الأمر الذي منعها من تحقيق ما يمكن التعويل عليه.
في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن النواب التغييريين قد ينجحون في العودة إلى تأجيل هذه الخلافات من جديد، على قاعدة الحرص على الصورة الجامعة، لكنها تلفت إلى أن مسار الإنقسام بات هو المرجح في الفترة المقبلة، لا سيما أن الضغوط من قبل مجموعة منهم، تصنف على أساس أنها من "الصقور"، تزداد يوماً بعد آخر.