على وقع الجلسة الثالثة لإنتخاب رئيس الجمهورية المقبل، التي تعقد اليوم في المجلس النيابي، بدأت في بعض الأوساط ترسم الكثير من علامات الإستفهام حول اللحظة التي ستتخلى فيها قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" عن خيار الورقة البيضاء، لا سيما أنّ هذا الخيار يُحمل هذا الفريق المسؤولية المباشرة عن الدخول في الشغور الرئاسي، بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، نظراً إلى أنه لا يمكن أن يستمر، قبل أيام من هذا الموعد، في حالة عدم وجود أيّ مرشح لديه لهذا الموقع.
خيار الورقة البيضاء، قد يكون منطقياً في الجلسة الأولى لكن الإستمرار به ليس بالأمر الطبيعي، خصوصاً أن جميع القوى المحلية تحذر من الذهاب إلى الشغور الطويل، بالتزامن مع ضغوط دولية من المتوقع أن تظهر بعد 31 الشهر الحالي، ما يعني أن هذا الفريق يضع نفسه في الموقع الصعب، بسبب عدم قدرته على حسم موقفه، مع العلم أنه كان من الممكن أن يذهب إلى خيار "المناورة" الذي يبعده عن دائرة الإتهامات.
في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية معنية، عبر "النشرة"، أنه في الوقت الراهن لا يمكن الحديث، عند قراءة واقع قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، عن فريق موحد في التعامل مع الإستحقاق الرئاسي، حيث تشير إلى أن خيار الورقة البيضاء يخفي خلفه وجود 3 محاور رئاسية، ليس من السهل الجمع فيما بينها في وقت قريب، نظراً إلى أن 2 منها يعتبران أن المواجهة بينهما مفتوحة منذ 6 سنوات على الأقل.
على هذا الصعيد، يبدو أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يرفض في الأصل تصنيفه من ضمن فريق واحد مع قوى الثامن من آذار، حسم موقفه لناحية عدم تبني خيار رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، الذي يعتبره مرشح رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا بل هو ذهب قبل أيام إلى التلميح بمراجعة خيار عدم ترشيح نفسه إلى هذا الموقع.
في المقابل، تعمد رئيس المجلس النيابي، في الفترة الماضية، الحديث في أكثر من مناسبة عن أن "لا أحد يمون عليه"، الأمر الذي يوحي بأنه كان يريد من وراء ذلك إيصال رسالة سياسية، وهو سبق أن أكد هذا الأمر رئاسياً، من خلال رفضه التصويت لصالح ميشال عون في الانتخابات الماضية في العام 2016.
في ظلّ هذا الإنقسام، بحسب المصادر نفسها، يبرز دور "حزب الله"، الذي كان قد أفصح، قبل أيام، على لسان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد عن مواصفاته الرئاسية: لا يأمره الأميركي فيطيع، بل يُطيع المصلحة الوطنية، ويُقر ويحترم ويعترف بدور المقاومة في حماية السيادة الوطنية، حيث تلفت إلى أن الحزب لا يزال يراهن على إمكانية تقريب وجهات النظر بين حلفائه، بالرغم من صعوبة هذا الأمر، نظراً إلى أنه يدرك أن هذه الخلافات قد تضيع على فريقه السياسي إمكانية إيصال شخصية مقربة منه إلى رئاسة الجمهورية.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن الجزم بأن الحزب يفضل وصول شخصية تنتمي إلى فريقه السياسي، لكنه في المقابل لا يستطيع أن يفرض ذلك على حلفائه قبل خصومه، لا بل هو يجد نفسه اليوم أمام معادلة المفاضلة بين حليفين أساسيين، الأمر الذي لن يذهب إليه بأي شكل من الأشكال، وبالتالي الورقة البيضاء أو تعطيل نصاب الجلسات قد تكون هي الخيار الأفضل.
في المحصلة، تؤكد المصادر السياسية المعنية أن الأمور ليست مرتبطة بالتطورات المحلية فقط، بل أيضاً بتلك القائمة على مستوى المنطقة، لكنها لا تنكر أن خيار الإستمرار بالورقة البيضاء، الذي يعتبر نوعاً من العرقلة، بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية، لن يكون بالأمر السهل، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك.