لم يعد اللبنانيون يدركون أي صدمة يُمكن أن تحدث للجم إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة أهمّ من صدمة ترسيم الحدود البحرية، مع تأكيد وجود ثروة نفطية كالتيمن المتوقع أن تكون موجودة في المياه الإقليمية، ولكن للأسف حتى هكذا خبر لم يتمكن من إحداث الصدمة المطلوبة، ربما يكون السبب غياب الثقة بالدولة والمصارف والاقتصاد والناس متخوّفة، هذا إذا إفترضنا حسن النيّة، وقد يكون السبب التلاعب عبر التطبيقات بالعملة الخضراء.
من ينظر إلى هذا الأمر يتساءل كيف وصلنا إلى هنا، وما الذي يمكن أن يلجم الوضع إذا كان خبر الترسيم والنفط لم يفعله؟!.
الهندسات المالية
من ينظر إلى هذا الوضع يسأل متى بدأ كلّ هذا؟ وكيف وصلنا إلى هذا الانهيار الكبير الذي شعرنا به فعلياً مع بدء الاحتجاجات في 17 تشرين الأول من العام 2019، يوم أقفلت المصارف أبوابها بوجه الزبائن وخلف تلك الأبواب الموصدة حُوّلت مليارات الدولارات، ولم يعد اللبناني يستطيع أن يسحب دولاراً واحداً من امواله وحقوقه، في حين أن البنوك في مختلف أنحاء العالم عجّت بالعملة الأميركية.
بدأت العملية فعلياً مع وضع العقوبات الأميركية على جمال تراست بنك، يومها بدأت تنخفض الأموال التي لدى الدولة بالدولار، فلجأ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى المصارف، عبر هندساته المالية، لتأمين الدولارات، التي بلغتنحو 12 مليار دولار، بحسب ما يؤكد مطّلعون على الملف، لافتين إلى أنّ "12 مليار دولار وضعت في مصرف لبنان، ولكن المفارقة أنّ الدولة استعملتهم".
اعتقال الحريري
في تشرين الأول من العام 2017، إعتقلت السعودية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيث أُجبِرَ على إعلان إستقالته من هناك ليعود إلى لبنان في تشرين الثاني من العام نفسه، ويشير المطّلعون إلى أنه "في هذه الفترة خرجت 6 مليار دولار من بيروت، والسبب ربما يعود الى أن "رأس المال شره وجبان"، بما معناه يحب المال وعند الأزمة يهرب وهذا ما حصل".
بعد ذلك، أتت سلسلة الرتب والرواتب التي كان حجمها أكبر من المتوقع، ما اضطر الدولة إلى القيام بعمليّة طبع للعملة اللبنانية، لتستدين وتدفع الرواتب لتغطية المدفوعات.
يلفت المطّلعون إلى أنه "هنا زاد الاستيراد والسفر (للسياحة)، وخلال هذه الفترة خرجت دولارات أكثر من لبنان"، وعوضاً عن قيام الدولة بوضع المزيد من القيود، لمنع خروج الدولارات بواسطة التجارة، تركت الأمور على حالها ربّما ل تسهيل عمليّات "الشفط" الخضراء.
عملية عزل مالية!
اللحظة الأقصى بعدها، كما يؤكد المطّلعون، كانت عند توقف دفع سندات اليوروبوند، وعندها إعتبرت الأسواق الخارجية تلقائيا أننا متعثرون،وبالتالي لم يعدأحد يستطيع الاستدانة من الخارج. وفي العام 2020 قامت بعض المؤشّرات كـ"ستاندر أند بورز"، التي لديها مؤشرات استثمارية، بنزع لبنان عن قائمتها، بما معناه أن كبار المستثمرين لن يستثمروا في بيروت. وهذا ما يسمّونه بحسب المطلعين "عمليّة عزل ماليّة تؤدّي إلى عدم توافد الدولارات إلى البلد".
في نيسان من العام نفسه، بدأت سياسة الدعم الّذي استخدم بأغلبه للتهريب، فباتت المحروقات تُهرّب إلى سوريا بوتيرة أعلى والبضائع والسلع تباع خارج لبنان،فانهارت العملة وارتفع سعر صرف الدولار بشكل كبير،إلى أن وصلنا إلى اللحظة التي كان يفترض أن يكون خبر الترسيم نقطة تحوّل ايجابية، تؤدّي إلى إنخفاض سعره.
هنا يشير الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة إلى أنه "لدينا كمية ضئيلة من الدولارات، واذا استمرّينا بهذا النهج فحكما ستنخفض الكتلة النقديّة بالدولار وبالتالي سيكون تصاعدياً، وإذا لم تحصل اصلاحات اقتصاديّة أو اداريّة أو ضخّ للدولار فحكماً سيكون تصاعدياً"، مؤكداً أن "استهلاك الدولار هو على شقين، الشق الأول تهريب والشق الثاني ذهب هدراً في الفساد".
إذاً، بدأت أزمة لبنان مع العقوبات على جمال تراست بنك وبدأ الوضع يتدهور، الدولار ارتفع بشكل كبير حتى وصل حالياً الى أكثر من 40 الف ليرة والمفارقة أن ترسيم الحدود لم يحدث صدمة إيجابية تؤدّي الى انخفاضه ولا أفق للجم إرتفاعه حالياً!.