صحيح أن العشاء الحواري الذي دعت اليه السفارة السويسرية في لبنان ممثلين عن الأفرقاء السياسيين قد أرجأ بسبب الضجة السياسية والطائفية التي أثيرت حوله، وأدت الى شيطنته، على إعتبار أن الهدف منه كان التأسيس لمؤتمر حوار ينسف إتفاق الطائف، لكن الصحيح أيضاً، هو أنّ القرار الدولي بوضع إتفاق الطائف على مشرحة التطوير قد اتّخذ، وذلك بعد إقتناع عواصم القرار بأن الدستور اللبناني الذي عّدل في الطائف عام 1989 لم يعد قادراً على تأمين إنتظام جيّد وتامّ للمؤسسات وما ينتج عن تطبيقه وممارسته ليس أكثر من تعطيل بتعطيل.
أرجأ عشاء السفارة السويسرية، لكن فكرة الحوار حول تطوير نظام الحكم في لبنان لم تُلغَ، بل وضعت راهناً على الرفّ الى حين التوصل الى شكل ثانٍ لها والى توقيت مناسب. هذا ما تؤكده مصادر دبلوماسية بارزة متابعة لهذه الحركة، وتضيف بالقول، ما حاولت سويسرا إطلاقه من خلال العشاء المذكور وما كان من المفترض أن يليه من مؤتمر في جنيف ولو عبر منظمة هيومن ديالوغ، التي تعنى بحل النزاعات والتي تتعامل مع الحكومة السويسرية، هو خطوة تحظى بدعم أميركي وفرنسي تامّ، وقد دارت حولها سلسلة من الحوارات البعيدة من الإعلام بين الدول الثلاث، وخلال هذه الحوارات برز رأيان: رأي فرنسي يقول إن عملية تطوير الطائف قد تمر على البارد، أي بعشاء حواري في السفارة يليه مؤتمر في جنيف لممثلي الأفرقاء اللبنانيين، وإذا سارت الأمور على ما يرام في العشاء والمؤتمر، تتم الدعوة بشكل رسمي الى مؤتمر حواري عام، وفيه يتم تعديل الدستور اللبناني كما حصل في الطائف، ومن بعده الدوحة عام 2008 عندما دُعي الأفرقاء الى مؤتمر لوقف أحداث 7 أيار وتقرر إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ولو من دون تعديل الدستور لتمرير إنتخابه.
أما الرأي الأميركي ودائماً بحسب المصادر الدبلوماسية، فكان يميل الى نظريّة أنّ تغيير النظام في لبنان لا يمكن أن يمرّ إلا على الحامي أيّ بعد أحداث أمنيّة وتوترات في الشارع، وبمعنى آخر، أن ممثلي الأفرقاء السياسيين لن يجلسوا على طاولة واحدة لمناقشة أمور وقضايا أساسيّة كتعديل الدستور أو إنتخاب رئيس للجمهورية، إذا كان الوضع الأمني في لبنان هادئاً، والسبب أن ما من فريق مستعد للتنازل لصالح الآخر عن أي صلاحية أو أي منصب من دون أن يكون مضطراً وبفعل القوة القاهرة على ذلك.
ولكن، لماذا تمّ إختيار سويسرا ما دامت فرنسا والولايات المتحدة تلعبان دور عراب هذه المبادرة ومن وراء الكواليس؟.
كي نصل الى الجواب عن هذا السؤال يقول المتابعون، وهو جواب تقديري وغير محسوم، علينا العودة سنة الى الوراء في الأرشيف، وتحديداً الى المعلومات التي سرّبت في حينها عن حجم الودائع التي تعود الى سياسيين لبنانيين في المصارف السويسريّة، وكيف قيل في حينها إن السلطات في سويسرا كانت تفكر بالحجز على هذه الودائع ومن ثم لم يعد أحدٌ يتحدث عن هذا الموضوع.
إذاً، إنطلاقاً من أنّ سويسرا بإمكانها ممارسة الضغوط على السياسيين اللبنانيين الذين أودعوا ثرواتهم في مصارفها، قد يكون سبب إختيارها للقيام بهذه المهمّة، والجواب النهائي والأكيد عن هذا السؤال يبقى متروكاً لتطورات الأسابيع والأشهر المقبلة.