لا تخفف أوساط مطلعة لصحيفة الراي الكويتية، من وطأة فشل المساعي لتأليف حكومة «التقاط الأنفاس» ولجوء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى ما يشبه «السلاح المحرّم» بإصدار مرسوم قبول استقالة حكومة ميقاتي، باعتبار أن معناها سيُقاس في السياسة وبوصْفها نقلاً للواقع اللبناني برمّته إلى مرحلة من المطاحنة الضارية فوق فوهة فراغٍ قد... يخرج عن السيطرة.
وتعتبر الأوساط أنه في البُعد الدستوري لـ«خرطوشة المرسوم» (قبول استقالة الحكومة) الذي لا يصدر في جمهورية الطائف إلا عند تشكيل الحكومة الجديدة مُتلازِماً مع مرسوميْ تسمية رئيس الوزراء والتشكيلة الحكومية، فإن ما يلوّح به عون وفريقه سيكون محكوماً بأن يفتقد لأي غطاء سياسي من حلفائه كما خصومه الذين لا يمكن أن يسيروا بمثل هذه الخطوة التي ستكون أقرب إلى فتْح «باب جهنّم» سياسياً ومفخّخاً بألغام طائفية، وإن كان عدم تأييد كل الكتل المسيحية في البرلمان لها سيحدّ من استدراجها استقطاباً طائفياً خطيراً.
وفي السياق نفسه يعتبر خبراء دستوريون أن الاستقالة الحُكمية لحكومة نجيب ميقاتي (بعد الانتخابات النيابية في مايو الماضي وفق المادة 69 من الدستور) والتي لا تحتاجُ لموافقة رئيس الجمهورية، يستتبعها حُكْماً أيضاً وفق المادة 64 من الدستور (تصريف الأعمال بالمعنى الضيق بعد استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة) أن تتحوّل الحكومة تلقائياً إلى وضعية تصريف الأعمال من دون صدور مرسوم قبول الاستقالة الذي لا يوقّعه رئيس البلاد إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة ما يجعل هذا المرسوم شكلياً وغير ذي مفعول لا في إطلاق مسار تصريف الأعمال ولا في وقْفه.
كما أن الأوساط السياسية ترى أن «السحر قد ينقلب على الساحر» بحال توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة ميقاتي، باعتبار أن هذا الأمر سينتقل إلى تحت قبة البرلمان الذي يعود إليه لوحده تفسير الدستور والذي سيُفْتي حكماً بـ لا دستورية خطوة عون، مع ما سيعنيه ذلك أيضاً من منح حكومة تصريف الأعمال «ثقة» غير مباشرة من برلمان 2022 وشرعية مباشرة لتولي صلاحيات الرئاسة الأولى.
أما ورقة الطلب من وزراء عون الاستقالة من تصريف الأعمال في محاولةٍ لجعل الحكومة المستقيلة «ناقصة الميثاقية» فتستعيد الأوساط بإزائها تجربة رئيس الجمهورية نفسه حين تولى شخصياً رئاسة حكومة عسكرية انتقالية (من أعضاء المجلس العسكري) في 1988 استقال منها الوزراء المسلمون الثلاثة ولكن عون أصرّ على ترؤسها وشرعيتها «بمن حضر» (مع عصام أبوجمرا وادغار معلوف).
وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة واتضاح إذا كانت لعبة «عض الأصابع» بمنسوبها الأعلى ستُفضي في النهاية إلى تسوية «آخر دقيقة» أم أنه «سبق السيف العذل» في مسارٍ ربما يكون على طريقة «وبعدي الطوفان»، فإنّ الأوساط عيْنها تحذّر من ارتدادات خارجية لأي تهوُّر سياسي – دستوري في مرحلة حرجة لبنانياً تحاول البلاد خلالها الاستفادة من «أوكسيجين الغاز» الذي يشكّله اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل الذي ستكتمل فصوله هذا الأسبوع مع مراسيم التوقيع في الناقورة (على الأرجح في النصف الثاني من الأسبوع)، ومن الفرصة التي قد تشكّلها إدارة الاستحقاق الرئاسي بما يراعي ضرورة عودة التوازن السياسي إلى المشهد الداخلي والكف عن أي «تلاعب» بمرتكزات الوفاق الوطني الذي يشكله اتفاق الطائف والذي برز أخيراً ما يشبه «انتفاضة سعودية» تأكيداً على أهميته في حفظ وحدة لبنان واستقراره.