ترقب الأسواق المالية في لبنان تطورات مهمة هذا الاسبوع، من شأنها إحداث تغييرات جوهرية على المشهد النقدي، لا سيما ما يتعلق بسعر صرف الليرة وتسعير بدلات السحوبات من المدخرات المحرّرة بالدولار الأميركي، فضلاً عن التمهيد العملي لخطة إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، والتي تشكل بنداً مفصلياً من لائحة الشروط التي وضعتها بعثة صندوق النقد الدولي ضمن الاتفاق الأولي الذي أبرمته مع الفريق الحكومي اللبناني قبل 6 أشهر، توطئة لنقل الملف بصيغته النهائية إلى مجلس الإدارة.
وأصبح معروفاً أن للدولار في لبنان أسعاراً عدة؛ أبرزها السعر الرسمي الذي لا يزال 1500 ليرة، وسعر السوق السوداء الذي تجاوز 40 ألفاً، وسعر منصة «صيرفة» البالغ 8 آلاف ليرة.
ووفقاً لمعلومات خاصة استقتها «الشرق الأوسط» من مصادر معنية ومتابعة، فإن «البنك المركزي» يزمع إصدار سلسلة تعاميم تنظيمية جديدة بدءاً من منتصف الأسبوع الحالي، تنص خصوصاً على خفض السعر الرسمي للعملة الوطنية وتحديد تطبيقاته على السحوبات من الودائع وميزانيات البنوك، على أن تسري مفاعيله تزامناً مع بدء تطبيق سعر الدولار الجمركي اوائل الشهر المقبل، بعدما جرى رفعه بنحو 10 أضعاف من 1507 ليرات إلى 15 ألف ليرة.
ويرجّح، وفق المعلومات، تكريس التوجه لاعتماد سعر صرف جديد ومواز لسعر دولار المستوردات عند مستوى 15 ألف ليرة، مع إمكانية ضعيفة لاعتماد سعر انتقالي يبلغ 12 ألف ليرة؛ أي التسعير المطبق حالياً على المستفيدين من مندرجات التعميم رقم «158» الذي يتيح الحصول على 800 دولار شهرياً موزعة مناصفة بين الدولارات النقدية (بنكنوت) والاستبدال بالليرة نقداً وعبر بطاقات الدفع الإلكترونية. وفي الحالين ستلحق الاستفادة التصحيحية بالسحوبات من المدخرات التي يتم تسعيرها حالياً بواقع 8 آلاف ليرة لكل دولار. على أن يترافق التعديل مع خفض الحصص الشهرية للسحوبات توخياً لعدم ضخ فوائض مضاعفة للسيولة بالليرة.
وبالاستنتاج، وفقاً للمصادر المصرفية، يبدو أن «الرأي الحكومي استقر أخيراً على مسؤولية البنك المركزي في تحديد سعر الصرف وتطبيقاته». وهو ما يمكن تفسيره، وفق المصادر، «مخرجاً للمبادلة في المرجعية بين البنك المركزي ووزارة المال التي بادرت أواخر الشهر الماضي، إلى الإعلان الرسمي (الشهير) والذي تراجعت عن مضمونه بعد ساعتين فقط، بأنها اتفقت مع البنك المركزي لاعتماد سعر 15 ألف ليرة مقابل كل دولار أميركي، عملاً بأحكام المادتين (75) و(83) من قانون النقد والتسليف، كما وسائر النصوص التنظيمية والتطبيقية الصادرة عن (مصرف لبنان)، على أن تعمل السلطات المالية والنقدية على احتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني، وكذلك على مساعدة القطاع الخاص على الانتقال المنظّم إلى سعر الصرف الجديد المعتمد».
وعلم في نطاق المستجدات المرتقبة أن تعليمات خاصة بتطبيقات السعر الجديد على ميزانيات البنوك ستواكب التعديلات المستجدة على سعر الصرف، بحيث تتأمن فرص الاستيعاب المتدرج عبر عزل الخسائر في بندي الأصول والخصوم (موجودات ومطلوبات) وقيدها في بند «خارج الميزانية»، مما يمنح هامشاً عملياً وزمنياً لإدارات البنوك لإطفائها عبر ضخ سيولة جديدة في الأموال الخاصة والأرباح التشغيلية والموارد الناتجة عن القروض والتسليفات. إضافة إلى احتمالات ارتفاعات مستقبلية في قيم محافظ سندات حكومية.
كما لوحظ أن «مصرف لبنان المركزي» استبق هذه التعديلات المتوقعة بإصدار التعميم رقم «646»، الذي منح المقترضين، ومن دون الحاجة إلى الموافقة المسبقة، إمكانية السداد المسبق للقروض السكنية كافة والقروض المبرمة لمتابعة الدراسة في مؤسسات التعليم العالي والقروض البيئية ومن دون تحميل العميل أي غرامة نتيجة السداد المسبق قبل مرور 7 سنوات على وضع القرض السكني موضع التنفيذ.
الساحر الأسود يقرّ: أنا من يرفع سعر الدولار!
فجأة، بسحر بيان صادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، انخفض سعر الدولار من 40,500 ليرة إلى 35 ألف ليرة، وكان مساء أمس يواصل الانخفاض. يثير هذا التطوّر المفاجئ مساء الأحد حين تكون الأسواق المالية مقفلة، شبهة حول الدور الذي يقوم به سلامة في تقلّبات سعر الصرف. فالبيان يقرّ بأن سلامة هو من كان يُسهم بشكل أساسي في ارتفاع سعر الدولار على مدى الأسابيع الماضية، وأن سياسته تقضي بمواصلة اللعب على وتر التوقعات التي كانت تميل منذ بضعة أيام إلى أن سلامة سيقوم بخطوة مماثلة عند قرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
يقول البيان الصادر عن سلامة الآتي: «بناءً على المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف سيقوم مصرف لبنان ومن خلال منصة صيرفة ببيع الدولار الأميركي حصراً، ابتداءً من يوم الثلاثاء القادم، علماً بأنه لن يكون شارياً للدولار عبر هذه المنصّة من حينه وإلى إشعار آخر».
ينطوي البيان على إقرار ضمني بأن مصرف لبنان كان ينافس الآخرين في سوق القطع، إذ كان يشتري الدولارات مهما كلّفه الثمن. وهذا الأمر كان سبباً رئيسياً وراء ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة. أيضاً يقول البيان إنه سيتوقف عن القيام بذلك اعتباراً من يوم الثلاثاء، أي أن عمليات الشراء ستتواصل يوم الاثنين. وبما أن البيان أدّى مفاعيله المتوقعة منه لخفض السعر بضعة آلاف ليرة خلال ساعتين، وربما يكون الانخفاض صباح الاثنين أكبر بعدما تهافت الناس على بيع دولاراتهم متوقعين انخفاض السعر، فإن مصرف لبنان سيواصل شراء الدولارات يوم الاثنين بالسعر الأرخص.
وبحسب "الأخبار"، يأتي البيان في لحظة سياسية واضحة، إذ إنه يواكب مسيرة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وبالتالي يسعى سلامة للقول إنه يملك زمام المبادرة، وإنه متحكّم بشكل واسع في السوق بهدف تشويه صورة عون وقت المغادرة. وهذا السلوك ليس الأول من نوعه، إذ إن سلامة قام بأمر مماثل في محطات مختلفة؛ أبرزها يوم الاتفاق على تكليف نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة. ففي هذه المحطات انخفض سعر الدولار بضعة آلاف ليرة، إنما هذا الانخفاض لم يكن مستداماً، ولا سيما أن المؤشرات الاقتصادية الفعلية تدعم توقعات سلبية في السوق على عكس التوقعات التي يروّج لها سلامة والقوى السياسية التي يعمل لديها.
يضاف إلى ذلك أنه في تلك المحطات المختلفة التي تدخّل فيها مصرف لبنان لخفض سعر الصرف، فإن السعر لم ينخفض فعلياً، بل إن الناس تقبّلوا السعر الجديد باعتباره أعلى من السابق. فالناس وافقوا على أن يكون السعر 30 ألف ليرة بدلاً من 40 ألفاً، ووافقوا على أن يكون 20 ألفاً بدلاً من 30 ألفاً (الأرقام على سبيل المثال).
أما في أصل البيان، فإن المسألة الأساسية تكمن في المادتين في قانون النقد والتسليف 75 و83. إذ إن الأولى تمنح مصرف لبنان صلاحيات واسعة لتأمين ثبات القطع من ضمنها العمل في السوق بالاتفاق مع وزير المال مشترياً أو بائعاً ذهباً أو عملات أجنبية، على أن يقيد العمليات في حساب خاص يسمى «صندوق تثبيت القطع»، والثانية تتيح للمصرف بشكل استثنائي وبالاتفاق مع وزير المال شراء العملات الأجنبية من الجمهور وبيعها منه.
بهذا المعنى، فإن مصرف لبنان كان يشتري الدولارات من الجمهور (عبر المؤسسات المالية بما فيها الصرافون) بالاتفاق مع وزير المال، وهو اليوم سيتوقف عن ذلك. لم يقل إنه سيضخ الدولارات لخفض السعر، إنما أشار في الشق الثاني من بيانه الى أنه سيواصل تطبيق ما نصّ عليه التعميم 161 لجهة الاستمرار في تمويل عملية تحويل معاشات القطاع العام إلى الدولار الأميركي بحسب منصّة صيرفة، وإتاحة السحوبات ضمن سقف 400 دولار لأصحاب الحسابات المصرفية بحسب منصّة صيرفة أيضاً، فضلاً عن أنه سيواصل ضخّ السيولة بالليرة عبر التعميم 151 (سعر الدولار المصرفي 8 آلاف ليرة)، والسيولة بالليرة والدولار بحسب التعميم 158 (ينص التعميم على سحب 400 دولار نقداً من الحسابات، و400 دولار تدفع بالليرة على سعر 12 ألف ليرة نصفها مخصصة للاستعمال بواسطة البطاقات المصرفية).