ينتظر أن تبدأ «قوافل» من النازحين السوريين بالمغادرة إلى سوريا خلال أيام بعدما أنهت المديرية العامة للأمن العام الترتيبات اللوجستية مع الجانب السوري. ورغم العراقيل الدوليّة، يأمل لبنان أن تكون عودة نحو ألفَي نازح فاتحة لارتفاع عدد طلبات العودة الطوعية
لم يرفع المجتمع الدولي «الفيتو» على إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. هذا ما بدا واضحاً من تصريحات مسؤولي المنظّمات الدولية، ولا سيّما «المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR) التي أعلنت أنّها ضد تشجيع العودة لأنها لا تزال «غير آمنة» حتى الآن. فيما يذهب مسؤولون في منظّمات دولية أخرى إلى حدّ اتهام لبنان بدفع النازحين نحو «حتفهم»، و«إجبارهم» على «عودة غير طوعيّة».
مسؤولة الشؤون الإعلامية لدى المفوّضية ليزا أبو خالد أشارت إلى أن «آلاف اللاجئين يختارون ممارسة حقهم في العودة كل عام»، لكنها أكّدت لـ«الأخبار» أنّ المفوّضية «لا تقوم في الوقت الحالي بتسهيل عودة طوعية واسعة للاجئين من لبنان إلى سوريا»، داعيةً إلى «احترام الحق الأساسي للاجئين في العودة بحرية وطوعية إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه هم».
رغم كل هذا الضجيج الدولي وزيارات دبلوماسيين لمقارّ حكومية لبنانيّة لفرملة الحماسة لهذا الموضوع، يعمل لبنان «على الهدا» للعودة إلى الصيغة التي كانت متّبعة منذ أكثر من 3 سنوات، عندما عملت المديريّة العامّة للأمن العام مع السلطات المعنية في سوريا على إعادة أكثر من 400 ألف لاجئ، على دفعات، بعد تقديم تسهيلات لبنانيّة ورعاية مباشرة لعودتهم وتأمينها حتى وصولهم إلى قُراهم بالتنسيق مع دمشق.
لذلك، عاد المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، بتكليفٍ رسمي، إلى تنشيط الملف من جديد، بعدما حصل وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين من دمشق، التي زارها قبل أشهر، على ورقة رسميّة تتضمّن التسهيلات التي يُمكن أن تُقدّمها الدولة السوريّة للعائدين، كتأمين مساكن إيواء لمن دُمّرت منازلهم، وتأجيل الالتحاق بالخدمة العسكريّة لمدّة 6 أشهر، والاستفادة من العفو العام الذي أصدره الرئيس بشار الأسد أخيراً، وتأمين وظائف أو عودة بعضهم إلى وظائفهم في الإدارات الرسميّة...
واستكملت المديريّة العامّة للأمن العام ما بدأه شرف الدين من استقبال طلبات النازحين السوريين الراغبين في العودة، وبلغ عدد هؤلاء نحو ألفين معظمهم يقطنون في بلدة عرسال ومحيطها ليكون هذا العدد هو من الدفعات الأولى التي سيتم تأمين عودتها إلى بلادها خلال أيّام. فيما علمت «الأخبار» أن 1600 عائلة تقدّمت بطلبات «الرغبة» في العودة إلى سوريا في 17 مركزاً تابعاًَ للأمن العام افتتحت أخيراً على جميع الأراضي اللبنانية لاستقبال هذه الطلبات، من بينهم 483 عائلة تقطن حالياً في عرسال.
ويربط المتابعون العدد الضئيل بتسجيل الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية وبالعرقلة الخارجيّة والضغوط على النازحين. أضف إلى ذلك أن بعض من تقدّموا بطلبات للعودة قد لا يكون جدياً أساساً، وإنما للتأكد من خلو سجلّه الأمني من أي قضيّة، فيما دلّت التجارب السابقة على أن هناك من يُغيّرون رأيهم في الدقائق الأخيرة.
على أيّ حال، فإن لائحة الأسماء الـ 2000 التي أُرسلت إلى الجانب السوري قد تكون «بالون اختبار» لرد فعل المجتمع الدولي. كما يُراهن الأمن العام الذي كُلّف مديره بالملف منذ نحو شهر، على انطلاق القافلة واستقرار العائدين في مناطقهم بأمان لنقل الصورة إلى أقاربهم ومعارفهم في لبنان، ما يُشجّع هؤلاء على تقديم طلبات العودة الطوعية.
التفاصيل اللوجستيّة
وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد أنهى الأمن السوري التدقيق في الأسماء، وستغادر الدفعة الأولى من القوافل بعد غد الأربعاء، على أن تتبعها قوافل أُخرى بعد أيّام، إذا لم يؤخر حال الطقس انطلاقتها. وستسلك القافلة المُغادرة لمنطقة عرسال إلى منطقة القلمون الغربي عبر معبر الزمراني، بحسب ما تقول المنسقة القانونية لوزارة المهجرين اللبنانية في عرسال رنا رمضان.
وتلفت رمضان لـ«الأخبار» إلى أنّ نحو ألف شخص (نصف أعداد الذين أُدرجت أسماؤهم في الدفعة الأولى) تبلّغوا من الأمن العام أن بإمكانهم العودة يوم الأربعاء، على أن يكون مكان التجمّع في وادي حميد عند السادسة صباحاً، موضحةً أن استكمال الدفعة الأولى سيكون بعد أيّام ولكن لم يتم تحديد التوقيت الدقيق، على أن يقوم الأمن العام بتبليغ العائلات التي تمت الموافقة على رحيلهم إثر الانتهاء من تنظيم الرحلة الأولى.
أما العقبة الرئيسيّة والتي بدأت تلوح في الأفق فهي أن الأمن العام لم يعتمد الطريقة التي كان يتّبعها منذ 3 سنوات في تبليغ من جاءت الموافقة على اسمه في عبور الحدود اللبنانية - السورية فحسب، وإنما صارت الصيغة الثانية «أكثر شفافية» والتي تتمثّل بقيامه بتبليغ النازح بأن لديه ملاحقة أمنية - قضائيّة من دون تحديد تفاصيلها. وهذا ما يُبرّر تغيير البعض قرارهم في العودة بعد معرفتهم بالأمر. صحيح أن عدد الصادرة بحقهم ملاحقات أمنية أو قضائية ليس كبيراً، إلا أن الأمر سيطال عائلاتهم إذ يرفض هؤلاء أن تعود زوجاتهم وأولادهم ليبقوا هم في لبنان.
وعليه، فإن الألف شخص الذين تبلّغوا بموعد القافلة من قبل الأمن العام، لن يكونوا على متنها جميعاً، بل إن الرقم المتوقّع هو 750 شخصاً سيغادرون بعد غد ويُمكن أن ينخفض إلى نحو 500، من دون تحديد عدد العائدين في القافلة الثانية بعد أيّام.
وعلمت «الأخبار» أن إبراهيم اتفق مع الجانب السوري على تفاصيل الترتيبات اللوجستيّة البسيطة أو تلك التي قد تشكّل عقبة. كما استحصل من الجانب السوري على تعهدات رسميّة بالتسهيلات المقدّمة بما فيها إرجاء طلب العائدين إلى الخدمة العسكريّة الإلزاميّة 6 أشهر. كما أرسل السوريون صوراً لمراكز الإيواء التي بُنيت حديثاً. واتُّفق على إعفاء السلطات السورية واللبنانية العائدين من الرسوم الجمركيّة على مقتنيات كالهواتف، ومعدات ألواح الطاقة الشمسيّة، والأغراض المنزليّة، والماشية...، باستثناء بعض الإجراءات في ما يتعلّق بأمور أُخرى كالسيارات على سبيل المثال، إذ يجب على النازحين الذين يرغبون في العودة بسياراتهم امتلاك أوراق قانونية للسيارات في لبنان أو سوريا.
مفوضية اللاجئين تدعو إلى «احترام حق اللاجئين في العودة بحرية وطوعية في الوقت الذي يختارونه»
كما ينسّق الأمن العام مع المنظمات الدوليّة والدبلوماسيين الغربيين. واستقبل إبراهيم لهذه الغاية قبل يومين سفراء وممثلي ألمانيا وبلجيكا وسويسرا وهولندا والسويد وتشيكيا، للبحث «في موضوع العودة الطوعية للنازحين السوريين»، بحسب ما جاء في البيان الذي وزّعه الأمن العام. ولذلك، سيكون بديهياً أن يُرافق بعض مسؤولي المنظمات الدولية قوافل العائدين كما كان يحصل سابقاً، عندما كان هؤلاء يتبعون كل عائد إلى الحدود للإكثار من الأسئلة عمّا إذا كانوا يعودون طواعية.
أبو خالد أوضحت أنّه «تبعاً لمهمّة الحماية وتطبيقاً لمجرياتها، تشارك المفوّضية في إجراء مقابلات مع اللاجئين قبل العودة الطوعية وستكون حاضرة عند نقاط المغادرة، كما كان هو الإجراء المتّبع في السابق قبل تعليق هذه الرحلات بسبب كوفيد-19».
مصدر أمني أشار إلى أنه بعد انتهاء الترتيبات الأمنية والقضائية التي سبقت إنهاء العمل على الدفعة الأولى، يعمل الأمن العام حالياً على تجميع طلبات العودة التي تصل إلى المراكز المخصّصة في سائر المناطق (17 مركزاً) للبدء في تجهيز الدفعة الثانية التي لم يُحدّد عددها بعد.