اعتبر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، تعليقًا على كل الحوادث التي مرت خلال 3 سنوات، أنّ "كل مصائب الكون عندي".
ولفت، في حديث لصحيفة "الأخبار"، إلى "انني لم ادخل لعبة الاعلام لأنني اعتبر ان الاعلام في لبنان سلاح ذو حدين. لكن بدا لي ان هناك محاولات لنسف المؤسسات في لبنان وتصوير القضاء وكأنه المخلّص الوحيد. ولا بأس في ذلك. انا مع ان يكون القضاء هو المخلّص، لكنه يحتاج الى موارد غير متوفرة. فما الذي تغير منذ عام 2019 بالنسبة للقضاء حتى نحمّله المسؤولية؟ وما الذي تغير منذ عام 1990 غير ان صلاحيات مدعي عام التمييز تقلّصت في قانون أصول المحاكمات الجزائية؟ فمدعي عام التمييز يمكنه ان يحقّق، لكن لا يمكنه ان يلاحق احداً بحسب القانون. ما هو المطلوب مني؟ دور سياسي؟ دور قضائي بحت؟ او دور إصلاحي؟ يعني هل المطلوب من القضاء التعدي على صلاحيات مجلس الوزراء؟".
ورأى عويدات أن الجسم القضائي "يُحمّل ما يفوق طاقته وامكانياته على تحمّله"، ويشكو غياب التخصص، معتبراً أن ذلك يشكل تحدياً أساسياً امام المحاكم. فوجود قضاة متخصصين في المجالات التقنية المختلفة يمكن ان يحل جزءاً كبيراً من المشكلة، اذ انه يتيح السير في التشكيلات القضائية على أساس الكفاءة العلمية والاختصاص التقني لا الانتماء الطائفي والمذهبي للعاملين في الجسم القضائي.
وأشار، بشأن الموقوفين قيد التحقيق او المحاكمة، ومن هو موقوف لفترة طويلة في قضية قضائية من دون تحديد مصيره، إلى "أنني أقول ان هذا توقيف اعتباطي وأسعى لمنعه من خلال التشديد على وجوب تطبيق القانون. فإذا استأنفت النيابة العامة أو المدّعي الشخصي القرار القاضي بإخلاء سبيل المدّعى عليه أو بتركه أو باسترداد مذكرة توقيفه المخالفة للأصول، فإن الاستئناف يوقف إنفاذ القرار حتى البت فيه خلال مهلة أربع وعشرين ساعة. إذا انقضت هذه المهلة دون أن تتخذ الهيئة الاتهامية قرارها، فعلى النائب العام أن يطلق سراحه حكماً (قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 138). ومن خلال تطبيق هذه المادة أخلينا سبيل العديد من الموقوفين".
وأوضح عويدات، "أنني كنت قد عممت توجيهات على النيابات العامة طالباً تجنب التوقيف الاحتياطي قدر الإمكان في قضايا حوادث السير وتعاطي المخدرات مثلاً، اذا كان ذلك لا يشكل خطراً على سلامة الاخرين. فبالنسبة لي، احتجاز حرية شخص ليس مسألة بسيطة، وقد يكون له أثر سلبي على جميع افراد عائلته. لذا لا بد ان يكون التوقيف فقط بحسب الحاجة وفي حالات تشكل خطراً داهماً".
وكشف، ردًا على سؤال بشأت استجابة قضاة النيابات العامة لطلبه، أنه "استجاب بعضهم علماً ان وضع السجون كارثي حالياً بعدما زادت نسبة الاكتظاظ. نبحث دائماً عن سبل لتخفيف الاكتظاظ، وجاهزون لتقديم أي مساعدة في هذا الاطار. وقد اتممنا دراسة نحو 780 ملفاً لأشخاص يمكن ان يشملهم قانون عفو خاص يصدر عن رئيس الجمهورية. غير ان الرئيس لم يقرر على ما يبدو ان يصدر قانون عفو خاص حتى الآن. كان ذلك خلال بداية انتشار وباء كورونا في لبنان والقلق من دخول الوباء الى السجون".
ولفت عويدات، إلى أنه "لقد نجحت الحكومة بمساعدة منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي في التعامل مع الوباء ومنع وقوع وفيات في السجون ولكن كان للنيابات العامة دور أساسي في تأمين الخدمات الطبية والاستشفائية وتنظيم الزيارات وعقد جلسات عن بعد. كما عملت وزارة الداخلية والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي بشكل مكثف لاحتواء الوباء والحفاظ على صحة الأشخاص المحتجزين".
وشدد، ردًا على سؤال حوله موقفه بشأن حل مشاكل السجون، وما رأيه بمديرية السجون في وزارة العدل والجهود التي يقوم بها القاضي رجا أبي نادر، على "انني لا اعتقد ان بإمكان وزارة العدل إدارة السجون في ظل النقص الحاد في الموارد الأساسية وبالموظفين، علماً ان القاضي ابي نادر يقوم بعمل ممتاز. لكن انشاء مؤسسة متخصصة لإدارة السجون امر يتناسب مع التخصص الذي اشرت اليه آنفاً. وقد يكون مفيداً دراسة موضوع خصخصة السجون ووضع ضمانات بأن يجري ذلك بشكل قانوني وعادل"، مشيرًا إلى "انني اقترحت تشييد سجون مؤقتة لتخفيف الاكتظاظ إلى حين الانتهاء من بناء سجنين كبيرين في الجنوب والشمال، غير ان ذلك لم يحصل".
واوضح عويدات، بشأت المشاكل التي تتفاقم في السجون، "أنني أعلم ان عدداً من الجرائم التي وقعت خلال الفترة الماضية تم التخطيط لها وتنظيمها في السجون بكل اسف. وكما ذكرت آنفاً، طلبت من النيابات العامة تخفيف التوقيف الاحتياطي لمنع اختلاط الموقوفين بأشخاص محكومين ومحترفي الجريمة. وسعياً لتخفيف معاناة ذوي السجناء وبسبب اعتكاف القضاة، أصدرت اخيراً قراراً يتيح لآمري السجون منح اذونات الزيارة بالنسبة للموقوفين، طلبت من النيابات العامة تخفيف التوقيف الاحتياطي لمنع اختلاط الموقوفين بأشخاص محكومين ومحترفي الجريمة".
وأشار، حول نسبة القضاة المضربين عن العمل في النيابات العامة التمييزية، إلى أنه "معظمهم، ولكن بعضهم يحضرون الى قصر العدل احياناً للقيام ببعض الأمور الطارئة. اما القضاة في سائر الدوائر فالعدد الأكبر منهم لا يحضر ابداً، وفي بعض الحالات وجدت نفسي مضطراً لتخطي صلاحياتي لأسباب إنسانية. فقد راسلت المديرية العامة للأمن العام لإلغاء بعض قرارات منع السفر مثلاً بسبب اعتكاف قضاة محكمة التنفيذ عن العمل، لأسباب إنسانية تتعلق بحقوق الناس. ولكن لا يمكنني تجاوز سلطة غيري وهذا امر لا احبذه".
وأكّد، بشأن شكوى بعض المحامين من عد تطبيق القانون الذي يرمي الى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع (القانون 191 تاريخ 16-10-2020)، "انني أرسلت تعميماً بوجوب التقيد بما ورد في القانون، ولكن يبدو ان هناك مشكلة تتعلق بتأمين الموارد المالية الكافية لشراء التجهيزات الخاصة بتسجيل جلسات الاستجواب والتحقيق في المخافر. يقوم رتيب التحقيق احياناً باستخدام هاتفه الخاص وهذا امر غير مناسب. صحيح ان القانون لا يطبق بالكامل وهذا امر مؤسف، ولا بد ان تلحظ موازنة قوى الامن الداخلي هذا الامر".
وأشار عويدات، بشأن من يطلب منه التحرّك لفك الحجز عن الودائع في المصارف، إلى "انني لأكون صريحاً، القضاء مكبّل اليدين بقوانين. فالقانون لا يسمح لي باستجواب أصحاب المصارف التي صادرت أموال الناس، بل يمنح حاكم مصرف لبنان هذه الصلاحية. صحيح ان بعض القضاة تخطّوا صلاحياتهم في هذا الشأن من خلال ضغط مارسوه على المصارف وصل الى حد التهديد بإرغامها على فك حجز الودائع لتغطية كلفة استشفاء مثلاً. هذه ليست من صلاحيات القضاة بحسب القانون، وليس من صلاحيات القضاة منع المصارف من تحويل أموال او نقلها".
وأجاب ردًا على سؤال بأنه "الا يمكن اعتبار هذا الضغط إجراء احترازياً لمنع تفاقم المشكلات؟"، بـ"نعم، لكن اتخاذ الإجراءات الاحترازية ليس من صلاحياتي. يمكن ان احقق بالأمر لكن القانون منعني من الملاحقة".
وذكر عويدات حول امكانية اتخاذه لأي خطة لتحرير ودائع الناس بصفته مدعياً عاماً، أنه "منذ بداية الازمة عقدت اجتماعا في مكتبي هنا يوم الثلاثاء 10 آذار 2020 شارك فيه رئيس جمعية المصارف سليم صفير والنائب العام المالي القاضي علي إبراهيم ونديم القصار ووليد روفايل من جمعية المصارف. كما حضر الاجتماع المحاميان شهدان الجبيلي وكارلوس أبو جودة، ومن النيابة العامة حضر كذلك القاضيان ماري أبو مراد وصبوح سليمان".
وأفاد بأنني "طلبت من الحاضرين عن جمعية المصارف الالتزام بالنقاط الـ 7 التالية لمدة سنة على الأقل: خطة التعامل مع صغار المودعين والتي تتمثل بسحب 25 مليون ليرة لبنانية شهرياً وما فوق، كما قبض الراتب بالليرة اللبنانية 100 في المئة وذلك فوراً وغب الطلب، ودفع كلفة التعليم والاقساط في الخارج بالعملة الصعبة بعد تقديم المستندات اللازمة
كما طلب "تأمين التحويلات الضرورية في ما يتعلق بالمستلزمات الطبية وذلك بموجب تعميم مصرف لبنان، وحرية التصرف الكامل بالـ Fresh money من ناحية السحب والتحويل، كما تأمين التحويلات اللازمة بالنسبة للمستلزمات الغذائية الضرورية غير المصنعة في لبنان مثل حليب الرضع، وأيضًا عدم تحويل أموال المودعين من العملة الصعبة (الدولار الأميركي) إلى الليرة اللبنانية من دون موافقة ورضى أصحاب الحسابات".
وأكّد عويدات التزم من حضر من جمعية المصارف التقيد بالنقاط الـ7 لمدة سنة على الأقل، وشددوا على أن علاقة الزبائن مع المصارف تقوم على مبدأ المحافظة على الثقة في هذا القطاع لأن مصلحة المصرف والزبائن والمواطن جزء لا يتجزأ والمصارف حريصة على سمعة لبنان.
ولفت إلى انّه "بعد الاجتماع، أُعيب عليّ من قبل بعض الوزراء في الحكومة انني تعديت على صلاحيات السلطة التنفيذية لأنهم اعتبروا ان النقاط السبع هي نوع من أنواع الـ"كابيتال كونترول"، ولا يحق للقضاء فرضه على المصارف. علماً ان رئيس الجمهورية كان قد اتصل بي خلال المرحلة الأولى من الازمة وطلب مني ان اسعى لمعالجة الامر".
واعتبر، تعليقًا على وصول التحقيق في انفجار 4 آب 2020 الى نتيجة باعتقاده، أنّ "هذا الانفجار الرهيب يتطلب عناية مركزة ومنطقية وعلمية حتى لا يفسر بطريقة خاطئة. ولهذا السبب لجأت للخبرة الفرنسية منذ البداية، وحضر الى المرفأ نفس المحققين الفرنسيين الذين حققوا في انفجار مماثل وقع في تولوز عام 2001. وتنحّيت لاحقاً عن هذا الملف لأسباب معروفة".
وأفاد عويدات بـ"أنني ضد فكرة تعيين قاض رديف للنظر في ملف انفجار 4 آب، ولا اعتقد انها تتناسب مع القانون، غير انني اتفهم الامر من الناحية الإنسانية إذ ان ترك اشخاص موقوفين لمدة غير محددة في ظل تعطيل القضاء مخالف للقانون وهو امر غير انساني. عملياً، وفي ظل الوضع القائم، هذا الامر يحتاج الى توافق".