لا يمكن فصل الإستنفار السعودي، في المرحلة الراهنة، للدفاع عن إتفاق الطائف أو منع المس به، عن المدى الذي وصلت إليه الأزمة اللبنانية، لا سيما بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون من دون الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، وهو ما كان قد حذّر منه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، عندما أشار إلى أنّ ما يحصل يتمثّل "نحراً" لهذا الإتفاق.
قبل ذلك، كان السفير السعودي في لبنان وليد بخاري قد ذهب إلى رفع السقف عالياً، رداً على الدعوة إلى عشاء كان من المفترض أن يعقد في السفارة السويسرية في بيروت، بعد أن لمس البعض أنها قد تمهّد الأرضيّة من أجل المس بالطائف، بالرغم من حرص الجانب السويسري على نفي هذا الأمر، مؤكداً أن المسألة أعطيت أكبر من حجمها.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الأجواء الحالية تفتح الباب أمام مختلف السيناريوهات، منها طرح البحث في بعض التعديلات الدستورية، وتلفت إلى أنّ الرياض، التي ستكون متضرّرة على مستوى نفوذها في حال حصول ذلك، مضطرة لتولّي تشكيل جبهة ترفع لواء الدفاع عن الطائف، خصوصاً أنّ الواقع على الساحة السنّية غير سليم، في ظلّ غياب المرجعيّة الأساسيّة بسبب إنسحاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من الواجهة.
بالإضافة إلى ذلك، ترى المصادر نفسها أن هذا الأمر هو الذي دفع المملكة إلى تحصين نفسها بموقف دولي، تم التعبير عنه في البيان الثلاثي الذي صدر عن الرياض وباريس وواشنطن، يؤكد التمسك بالطائف بشكل مطلق، في حين كانت المواقف الفرنسيّة، في السنوات الماضية، قد أثارت الكثير من اللغط حول هذه المسألة، لا سيما بعد حديث الرئيس إيمانويل ماكرون، في زيارة إلى بيروت، عن عقد إجتماعي جديد بين اللبنانيين.
ما تقدم، لا يمكن فصله عن رغبة باريس الواضحة في أن تكون هي الجانب المقرر في الساحة اللبنانية، أيّ صاحبة النفوذ الأكبر، لكنها في المقابل تدرك جيداً أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يتم بالتصادم مع أيّ من القوى المؤثّرة، خصوصاً السعودية، بينما تحتفظ بالقدرة على التواصل مع الجميع، وهو ما يدفع البعض إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول ما إذا كان التراجع الفرنسي ناتج عن تفاهم مع الرياض، يقوم على أساس دعم جهودها على الساحة اللبنانية مقابل التمسك بالطائف.
في قراءة بعض الأوساط السياسية، السعودية قد تكون في طور الوقوع في فخّ تحويل الطائف إلى مادّة إنقسام داخلي بين اللبنانيين، لا سيما أنّها على صدام مع العديد من القوى المحلّية، أبرزها "حزب الله"، بالرغم من سعيها إلى الإنفتاح على الكثير من الشخصيات التي كانت على خصومة معها، خصوصاً على مستوى الساحة السنّية، في فترة حصر دعمها بتيار "المستقبل"، الأمر الذي ترى أنه من المفترض التعامل معه بكل هدوء، بعيداً عن رفع سقف أيّ مواجهة إنطلاقاً من هذا الإتفاق.
في هذا السياق، تشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أنه من غير الممكن التعامل مع الأزمة اللبنانية على قاعدة أن المطلوب فقط الإتفاق على إسم رئيس الجمهوريّة المقبل، نظراً إلى أنها باتت أعقد من ذلك، لا سيما في ظلّ صعوبة الوصول إلى تفاهمات حول هوّية هذا الرئيس في وقت قريب، لا بل هناك من يعتبر أنّ تداعيات مرحلة الشغور الحالية، خصوصاً بالنسبة إلى حجمها، هي التي سترسم الصورة التي ستكون عليها أيّ تسوية مقبلة.
في المحصّلة، ترجّح الأوساط نفسها أن يكون أيّ بحث جدّي في التسوية بات يتخطى هوية الرئيس، حيث تلفت إلى أنّ المطلوب التفاهم على سلّة متكاملة تشمل بشكل أساسي إسم رئيس الحكومة المقبلة وشكلها، بالإضافة إلى العديد من الملفّات الأخرى، منها السّياسية والماليّة والأمنيّة، وهو ما لا يمكن أن يتم من دون توافق خارجي، قد يكون أقرب إلى ما حصل في إتفاق الدوحة بالعام 2008.