في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، شددت الصين على تسريع إنشاء نمط تنموي جديد وتركيز الجهود على دفع التنمية عالية الجودة. ما أشار إلى اتجاه التنمية المستقبلي للصين. وجعل الصين تضع "التنمية عالية الجودة" كأولوية في المرحلة الحالية والمستقبلية من تنمية البلاد.
"التنمية عالية الجودة"؟
في الحقيقة هذه هي ليست المرة الأولى التي تطرح فيها الصين مفهوم "التنمية عالية الجودة"، فقد طرحت الصين هذا المفهوم للمرة الأولى في عام 2017 خلال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وأشارت إلى أن اقتصاد الصين قد انقتل من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية عالية الجودة. وإن تغيير استراتيجية التنمية الاقتصادية الصينية يتماشى مع قانون التنمية ومتطلبات تنمية الصين الحالية. وتسعى الصين إلى تغيير نمط تنميتها السابق المتمثل بالاعتماد على عدد كبير من عوامل الإنتاج إلى التركيز الأكثر على الجودة والكفاءة، الأمر الذي سيعطي آفاقاً أوسع لتنمية الصين.
متطلبات التنمية
ظلت الصين تعتبر "التنمية" أساسا ومفتاحا لحل مختلف المشكلات وتحقيق السعادة لأبناء شعبها. فبعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، مر أبناء الشعب الصيني بقفزة كبيرة من عدم كفاية الغذاء والملبس إلى الازدهار اعتمادا على التنمية، ونجحت الصين في القضاء على الفقر المدقع في جميع أنحاء البلاد اعتمادا على التنمية أيضا.
في فترات التنمية المختلفة، تبنت الصين استراتيجيات تنمية مختلفة، ومن أجل تلبية احتياجات التنمية الحالية، تسرع الصين في تنفيذ استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار والتنمية الخضراء، وتكثيف جهودها لتحقيق مستوى عالٍ من الاعتماد على نفسها في الأبحاث العلمية والتكنولوجية، ودفع تطوير الصناعات الخضراء ومنخفضة الكربون والدعوة إلى الاستهلاك الأخضر...
استرشاداً بهذه الاستراتيجيات، حققت الصين اختراقات في بعض التقنيات الحاسمة والمحورية خلال هذه السنوات، مثل تقنية الـ 5G والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة والسيارة الكهربائية ..إلخ، كما أحرزت الصين نتائج ايجابية في مجالات صناعة الفضاء المأهول، وسبر القمر والمريخ، واستكشاف أعماق البحار والأرض، والملاحة بالأقمار الصناعية، والطب والأدوية الأحيائية وغيرها من المجالات خلال السنوات الماضية. وتطرق التعاون الصيني العربي بشكل متزايد إلى هذه المجالات أيضا.
آفاق جديدة
التنمية عالية الجودة لن تعود بالنفع فقط على دفع التنمية الصحية والمستدامة للاقتصاد الصيني، ولكنها تمنح أيضا آفاقا أوسع للتعاون الصيني العربي. على سبيل المثال، تعاونت الصين ودولة الإمارات في تطوير لقاح كوفيد-١٩ منذ تفشي الوباء، وأصبح لقاح "حياة-فاكس" المضاد لكورونا الذي تم إنتاجه في إطار التعاون الإماراتي الصيني أول لقاح محلي الصنع على مستوى المنطقة. وفتح بدء إنتاج اللقاح المشترك "مرحلة تاريخية لتصنيع اللقاحات في دولة الإمارات"، بحسب ما ذكرته الهيئة الوطنية الإماراتية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث.
وقالت يانغ يوين كاى نائبة مدير مركز الطب السريري لمجموعة الصين الوطنية للتكنولوجيا الحيوية التابعة لمجموعة "سينوفارم" في مقابلة صحفية: إنها عاشت وعملت في دولة الإمارات لأكثر من 7 أشهر كمدير تقني من أجل استكمال المرحلة الثالثة من التجارب السريرية مع باحثين إماراتيين، وأن التعاون مع فريق البحث الإماراتي كان تجربة ثمينة لها ونشأت صداقات عميقة بين الباحثين الصينين والإماراتيين، وأنها تعتبر دولة الإمارات وطنها الثاني. لا تتمثل أهمية التعاون بين البلدين في إنجازات البحث العلمي فحسب، بل وأيضا في التبادل الشعبي.
إضافة إلى التعاون في مكافحة الوباء، تعمل الصين والدول العربية أيضا على توسيع التعاون في مجال استكشاف الفضاء، فوقعت الصين والإمارات مذكرة تفاهم ثنائية لاستكشاف القمر بشكل مشترك خلال سبتمبر الماضي، تهدف من خلالها الصين إلى مساعدة الإمارات في إنزال أولى مركباتها الجوالة على سطح القمر.
كما توسع تعاون الصين مع الدول العربية بشأن الاستفادة من نظام "بيدو" للملاحة عبر الأقمار الصناعية الذي طورته الصين، ففي أبريل عام 2018، تم تأسيس مركز القمر الصناعي "بيدو" الصيني-العربي في تونس؛ وتنفذ الصين والدول العربية بشكل مشترك مشروعات تجريبية في المجالات الرئيسية في تطبيق "بيدو". وفي الـ10 من كانون الأوّل-ديسمبر 2017، تم إطلاق أول قمر اصطناعي جزائري للاتصالات في مدار الأرض بالتعاون مع الصين.
وفي عام 2019، وقعت الصين ومصر مذكرة تفاهم حول تعزيز التعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدفع التعاون في بناء البنية التحتية للمعلومات والاتصالات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وقد وقعت شركة "هواوي" الصينية اتفاقيات تقنية مع أكثر من 10 شركات اتصالات في دول بالشرق الأوسط، بما فيها شركات من الكويت والإمارات والسعودية والبحرين وغيرها من الدول لبناء شبكات الجيل الخامس.
التنمية و"الحزام والطريق"
يعد البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" مباردة هامة لانفتاح الصين على العالم الخارجي، ففي يونيو عام 2013، دعت الصين إلى تشارك الجانبين الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق"، كما طرحت مبادرات بما فيها تشكيل نموذج التعاون "١+٢+٣" المتمثل في اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين و٣ مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة المتجددة كنقاط اختراق في التعاون. وفي الوضع الجديد، نشأت بين الجانبين متطلبات تعاون جديدة، وبات هناك رغبة من الجانبين لتوسيع التعاون في مجالات جديدة وتنمية نقاط نمو جديدة للتعاون، بما في ذلك تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الوباء، وتعميق التعاون الدولي في حوكمة البيئة الإيكولوجية وإدارة المناخ، وتعميق التعاون في المجال الرقمي، وتعميق التعاون في الابتكار التكنولوجي، وكما ذكرنا سابقا في المقال، فقد حققت الجانبين العديد من الاختراقات والنتائج الإيجابية في هذه المجالات، وسيواصلان دفع التنمية عالية الجودة للبناء المشترك لـ "الحزام والطريق"، ليكون طريقا أخضر ورقميا ومبتكرا للتنمية.