يعقد يوم السبت المقبل في الاونيسكو مؤتمر عن الطائف لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتوقيعه من قبل النواب اللبنانيين في تلك المدينة السعودية، برعاية مباشرة من لجنة عربيّة مؤلّفة من ممثلين للمملكة العربية السعودية، المملكة المغربية والجزائر. وحظي عمل اللجنة بدعم مباشر من دول الجامعة العربية بإستثناء العراق. وتأييد دولي ملتبس في البداية، وتأخر في التبلور، لأسباب تتصل بقدرة اللوبي اللبناني المؤيد لقائد الجيش، رئيس الحكومة الانتقالية في تلك الفترة العماد ميشال عون، في باريس وواشنطن، والعديد من العواصم الغربيّة التي يوجد فيها لبنانيون.
وقد استطاع هؤلاء أن يقودوا حراكا معرقلا، لكنهم عجزوا عن تغيير ما كتب، خصوصا عندما تبدل المناخ الدولي-الاقليمي-العربي على اثر اقدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين على غزو الكويت، وانضمام سوريا التي التزمت موقفا ملتبسا في البداية إلى التحالف العربي-الدولي الذي ساهم في الحملة العسكرية ضد النظام العراقي في حينه، وهذا ما منحها دورا متقدما، فلُزّمَت بطلب ودعم أميركي وسعودي أمر تطبيق الطائف بالسياسة او عنوة، وهذا ما حصل عندما اغار سلاح الجو السوري على قصر بعبدا مقر العماد عون، بالتزامن مع تحرك وحداته في اتجاه القصر في الثالث عشر من تشرين الاول 1990، وإنهاء ظاهرة التمرد التي مثلها "الجنرال". ومنذ ذلك الوقت بدأ تطبيق الطائف وفق المعايير والوقائع التي افرزتها المواجهة، وهزيمة تلك التي سبقتها بنفي الرئيس امين الجميل وقتذاك إلى باريس بعد أيام قليلة من انتهاء ولايته الرئاسية في 23 ايلول 1988 على يد "القوات اللبنانية"، ومن ثم دخول قائد القوات سمير جعجع إلى السجن، وتطويق رئيس حزب الكتائب جورج سعاده، وهو كبير عرّابي الطائف واضطهاده، حتى كاد يكفر، وقد تساءل يوما: هل كان الطائف حلا او خديعة؟!.
إن نظرة موضوعية إلى الطائف تبين انه لم ينفذ كما خطّط له، فلم يعد الحكم جماعيا من خلال مجلس الوزراء الذي انيطت به السلطة الاجرائّية، بل اختصر في ما يسمى"الترويكا".
وفشل الاتفاق في تجاوز الحال الطائفيّة، إلى ما هو أدهى"، أي إلى الحال المذهبيّة. ولم نجد من اثر لدولة القانون والمؤسسات، وبات الوضع العام اشبه بوقف إطلاق النار منه إلى السلام:
التوطين في دولة الطائف -كما النزوح السوري- اكثر من أمر واقع. هو القضاء والقدر.
- سيطرة الجيش اللبناني والقوى الامنية الشرعية ليست تامة في ظلّ غياب القدرة على معالجة سلاح حزب الله من خلال إستراتيجيّة دفاعيّة.
- قانون استقلاليّة القضاء لم يبصر النور.
- المجلس الاقتصادي-الاجتماعي عنوان دون مضمون ولا صلاحية.
- قانون تنظيم الاعلام لا يزال يتعثر وهو ولد مشوّها.
في الحقيقة إن الطائف فشل سياسيا لعدم وجود رغبة في اصلاح النظام ، فلا مجلس الشيوخ أُنشئ، ولا الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية شُكلت، ولا القانون الانتخابي الذي يعتمد وحدة المعايير وُضع، ولا اللامركزية الاداريّة الموسعة طُبقت.
فشل ، فشل، فشل .
إن تراكم الفشل والتعثر أدّى إلى شلل الدولة وتشظّيها، وسط تنامي الفساد.
على أن هناك ثغرات في الدستور -دستور الطائف- تتعلّق بصلاحيّات رئيس الجمهورية، لاسيما في ما يتعلّق بالمهل، يرفض فاعلون التطرّق إليها.
هل يعني ذلك أن الطائف قد تهاوى وسقط؟ ليس بالضرورة. لكن يجب مواجهة الأمر بشجاعة واتخاذ التدابير الحاسمة لاستنقاذه قبل أن يتحوّل إلى حطام.
لا يمكن الاستهانة بآراء آباء الطائف بدءا برئيس المجلس النيابي الأسبق حسين الحسيني عرابه الأول، الذي أقر بوجود نقاط خلل يجب المسارعة إلى تصحيحها. والنائب والوزير الأسبق البير منصور في كتابه: "الانقلاب على الطائف" دلّ إلى مواضع الخلل في الاتفاق وسوء تطبيقه. وجورج سعاده في كتابه: "قصتي مع الطائف" روى قصة معاناته، ولم يتأخر في وضع القيادة السعوديّة في العام ١٩٩٧ في جوّ هذه المعاناة، ولقي لديهم تفهما كبيرا.
فهل يكون المؤتمر الذي دعا اليه السفير وليد البخاري يوم السبت المقبل، منطلقا لتصحيح المسار وتصويبه، أو مجرّد مناسبة لإرسال رسالة سياسية ذات أبعاد تتصل بالصراع الدولي -الاقليمي-العربي الناشب والذي يتخذ لبنان منصة؟!.
كل التمنيات الا يكون المؤتمر حدثًا عابرا، تنتهي مفاعيله غداة اختتامه. وللبنانيين أمثلة كثيرة مشابهة.