"مات مُتمّماً واجباتِه الدّينيّة" عبارة مُتعارفٌ عليها في الوسط المسيحي، أصبحت من الكليشيهات التي تَتضمّنها ورقة النعيّ، وشكلاً من أشكال التعبير الدّيني في حالة الوفاة، وتُقبل، لا لأنها صحيحة وتفي بالغرض من استعمالها، وإنما لأنّها تُحفِّز العاطفة، وتُعطي لأهل المتوفي نوعاً من الطمأنينة على المصير، ومن أنّ المَنعيّ يعبر هذا العالم إلى الماورائي، مُزوّداً بما يضمن له عبوراً آمنا، ويجعل منه أهلاً للخاتمة السّعيدة!.
وإن لاقت العبارة، ولا زالت، رواجاً في الوسط الدّيني المسيحي، فإنّ ذلك لا يجعل منها عبارة صحيحةً وصالِحةً للإستعمال لسبَبينن؛ الأوّل لأنها فاشلةٌ في إيجاد المعنى الأصليّ للإيمان المسيحي فيما يخصّ الحياة والموت، وبالتالي لا فائدة منها! والثاني لأنّ الحياة المسيحيّة لا تُختَصَرُ بواجبٍ دينيّ قد يقوم به الفرد تودّداً أو تملّقاً، عن معرفة أو عن جهل، بالحُسنى أو بالإكراه، ولا بمجموعة من الرّسوم والفرائض والطقوسيّات التي تُحدِّد أصالة الهوية الإيمانيّة من عدمها، ولا بمجموعة من التعليمات والإرشادات والوصايا التي يُكافئ كلّ مَن يلتزم بحرفيّتها، ويُعاقب كلّ مَن لَم يفعل! وإنّما هي علاقةٌ حميمة بشخص يسوع المسيح الحيّ الذي غلب الموت، والإيمان هو تجلٍّ لهذه العلاقة. وبهذا تُضحي العبارة لزوم ما لا يلزم، والتمسّك بها ضرب من العناد، أو لِنَقل، ضربٌ من الجهل الذي يُعَبّر عنه بعبارات مُتهالِكة لا فائدة منها!.
وإن كان المقصود بعبارة "مات مُتمّماً واجباته الدّينيّة" إبلاغ الناس بأن الميت كان على إيمانٍ مُستقيم، وخُلُقٍ عظيم، أصيلاً وحريصاً على الدّين والتديّن، فليست ورقة النعيّ المكان الصائب لذلك، كون الغاية منها الإنباء بالوفاة، لا التّصويب على فضيلة المتوفي؛ فكون المَنعي مؤمناً أم لا، ومتمّماً واجباته الدينيّة أم لا، ومُزوّداً بالأسرار المقدّسة أم لا، فهذا لا يعني شيئاً البتّة لمُتَلَقّي الخبر، وبالتالي ليس محطّ اهتمامهم، فمَن من الناس يهمّه إن كان المتوفي قد أتمّ واجباته الدينيّة قبل وفاته أم لا! وما الذي تعنيه هذه الواجبات الدينيّة أصلاً في قاموس الناس! فما يعني الناس هو الهوية والذريّة والمكان؛ هويّة المتوفي وعائلته وذريّته ونسبه وتفرّعاته ومُصاهراته، ومكان إقامته، ومكان الصلاة وتقبّل التعازي، لكي يُقدِّموا واجب العزاء ليس إلاّ!.
وعلى كلّ حال، لنفترض أنّ العبارة المستخدمة صحيحة، والمعنى المقصود بها صحيح أيضاً، فإن كان كلّ الذين يموتون أبراراً؛ الأخيار منهم والفُجّار، المُستقيمين والفاسدين، الذين على خُلُق والخليعين، فمن أين يأتي هذا الشرّ كلّه الذي يعيث في الأرض خراباً! أليس من الذين ماتوا وهم بغالبيّتهم "متّممين واجباتهم الدينية"، ولم يكونوا في صداقة مع المسيح، ولم تكن حياتهم حياته، ومحبّتهم محبّته، وأخلاقهم أخلاقه، وسلوكهم سلوكه، ووجوههم وجهه، وغيرتهم غيرته! أنا لا أجزم، ولا أسمح لنفسي بالإجابة على هذا السؤال الذي أطرحُه من باب التساؤل ليس إلاّ!.
وإن كنت لا أَجد مُبرّراً للتمسّك بما لا معنى له، وبما يتناقض مع جوهر الإيمان المسيحي، فمن واجبي والحالة هذه، لا بل من واجبنا، المساهمة في تنقية المسيحيّة من شوائب العبارات المُتهالكة والمُتعارف عليها جِزافاً، وسَوق المعلومات في عبارات إيمانيّة صحيحة تفي بالغرض فتفتح الباب أمام آفاق الرّجاء والثقة برحمة الله العادلة التي لها وحدها الكلمة الفصل. وأعتقد أن عبارة "انتقل إلى رحمة الله" هي من بين العبارات التي يصحّ استعمالها، والتي تفي بالغَرض من دون حشوات وإضافات.