على أبواب شتاء بارد، تشتعل الأرض حماوة في المعارك بين الروس والأوكران. وعلى الرغم من نداءات الأمم المتحدة لتهدئة الوضع، واستياء معظم دول اوروبا من الصراع الدائر، آخرهم دولة إيرلندا التي أطلقت موقفاً صارخاً في جلسة مجلس الأمن في نيويورك، في وجه دول الغرب الداعمةبأسلحة وعواطف جيّاشة للأوكران،قادة وشعباً، مشيرة الى عدد اللاجئين الهاربين، بحيث أصبحت اوروبا الغربيّة لهم أرضاً مفتوحة الحدود.
سيطرت روسيا على 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية، وتصوّب عينها اليوم على مدينة خيرسون، الصناعية والإستراتيجية التي تعتبر ميناء هاماً لأوكرانيا على البحر الأسود، تشرف على الطريق البرّي الوحيد الذي يؤدي الى شبه جزيرة القرم-حيث السيطرة الروسية منذ عام 2014.
جيوش اوروبا تستعد للمعركة الحاسمة في هذه المدينة، التي لن تُنهي حتماً الحرب، إنما ستغيّر مسارها لمصلحة الرابح، فربما تكون بداية استعادة للنفوذ الروسي القديم في القرن التاسع عشر في القارة العجوز.
نزح المواطنون من مدينة خيرسون، وعددهم سبعون ألفاً، بطلب من القوات الروسية. ويبدو ان هذه المعركة ستكون طاحنة يكون الخاسر الأكبر فيها سكان المدينة.
الأوكران يحشدون في المدينة المذكورة الى جانب الناتو، وموسكو تتواصل مع جنود وضباط خذلتهم الولايات المتحدة اثناء انسحابها من أفغانستان العام الماضي، عددهم بين 20 و30 الفاً، لدعم عسكري إضافي استعداداً لأمّ المعارك.
روسيا نقلت قاذفاتها النووية الى حدود أوكرانيا على الرغم من نفيها لإستخدام النووي التكتيكي، احتراماً لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي، والولايات المتحدة توعّدت بنقل أسلحتها النوويّة الى اوروبا في حال استُخدم هذا السلاح، بحسب الإعلام الأميركي. اوكرانيا ما زالت تتنكّر للقنبلة القذرة، لكن نوايا هذه الحرب قذرة الأساليب، بحسب القادة العسكريين، الذين لا يستبعدون استعمال النووي التكتيكي من جهة الطرف الخاسر في معركة العصر.
ما من طرف يؤيد استخدام النووي، حتى روسيا نفسها تتباهى علنًا بأنها لم تستخدمه، وتذكّر العالم بشكل دائم بأن الولايات المتحدة هي التي استخدمته في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. والأخيرة بدورها، تصبّ النار في هشيم أوكرانيا، علّ الروس يغطسون في النووي، فيُثبتون للكون ان روسيا هي "الشرّ الأكبر.
أرسلت الولايات المتحدة أسطولا قتاليًّا ضخما جداً تحتوي على USSS ground fordوهي أكبر حاملة طائرات في العالم، ستذهب برفقة سبع مدمّرات الى بحر المانش. ما الخطب؟ من جهة نرى الأميركي منهمكا في الإنتخابات النصفيّة التي تحدّد مستقبل الحزب الحاكم في الولايات المتحدة، ومن جهة ترسل العتاد والعديد للمشاركة في الحرب التي أصبحت "اوروبيّة". ويقول المتابعون ان هذا التكتيك من شأنه ان يُدخل اوروبا في حرب واسعة ربما تؤدّي الى تفكيك الإتحاد الأوروبي على أقل تقدير، الأمر الذي يجعل من الولايات المتحدة الإمبرطوريّة القويّة، سيّدة العالم الإقتصادي والسياسي من دون منازع، بعدما وضعت سلّة عقوبات في عالم الإلكترونيات على الصين تعيق قدراتها على التفوّق الإلكتروني والعسكري. فغاية الحرب هذه غاية في نفس يعقوب الإدارة الأميركية.
طموح التوسّع الأميركي العسكري في أوروبا كان ينتظر حجّة فوجدها في الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، فبعد الإنسحاب من أفغانستان بعد صفقة سياسيّة، تتطلع الولايات المتحدة اليوم الى بولندا، لتأسيس قواعد عسكرية لها في الأخيرة، بدأتها باختيار قرية "ريدزيكوفو" المسالمة لتركيز منشأتها العسكرية قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط 2022، الأمر الذي أغضب الروس والسكّان قلقون في القرية، نظراً لإحتوائها على رادارات حديثة ومجهّزة بقاذفات صواريخ متطوّرة، وجعلهم يدرسون حساباتهم في دول البلطيق انطلاقاً من بولندا ورومانيا. لا شك ان الحرب في أوكرانيا قد توسعت لتشمل كل الدول الأوروبيّة، إن من خلال المضايقات على منافذ القمح، او من حيث غلاء الوقود بشكل جنوني، او من فقدان السلع الأساسية.
ما نراه اليوم في الميدان السياسي الغربي، هو استياء فرنسي-ألماني مع البرطانيين في وجه الأميركيين على خلفية تلاعبهم من خلال إعلان الحرب التجارية على أوروبا. يبدو ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد نجح على الأقل، بعد ثمانية اشهر من الحرب، في تفكيك الوحدة السّياسية في الناتو، والغضب الساطع تجلّى في استخدام بولندا ملعباً سياسياً يطلقون منه برنامجهم التوسعي الإقتصادي.
خيرسون،"المصير الكبير"، ليست وحدها الجبهة الساخنة في أوكرانيا، لكن الإستعدادات ونَصب المواقع العسكريّة التي تجوب مختلف الدول الأوروبيّة تقول أنها ستكون معركة المصير. ويقول المراقبون انه في حال استمرت الولايات المتحدة في اطلاق حربها الإقتصادية الى اوروبا، فمن الممكن ان تردّ فرنسا وحلفاؤها عليها من خلال الإنحياز الى روسيا والرئيس بوتين في معركة خيرسون، فيدفع الأوكران وحدهم ثمن هذه الحرب غير الواضحة الأهداف، ويقتنعوا ان الولايات المتحدة قد باعتهم، على الأقل منذ مكالمة الرئيسين المسرّبة الاميركي جو بايدن والاوكراني فولوديمير زيلنسكي في شهر حزيران الفائت عندما اغتاظ الرئيس الأميركي من طلبات الأوكراني من سلاح ودعم إنساني، قائلا له: "أعطيك من مال شعبي وانت لا تشكرني بل تطلب المزيد". لا بد ان نشير الى ان بايدن يواجه انتقادات جمهوره الأميرك القلق من مساعدة الأوكران في وقت تعاني الولايات المتّحدة من أزمة اقتصادية خانقة.
استنزفت روسيا القوات الأوكرانية حتى قبل انطلاق الهجوم على خيرسون، بحسب المراقبين، فهذه المدينة الاستراتيجية هي مسألة حياة او موت الإمبرطوريّة، وما الإتفاق الفرنسي-الألماني خلال العشاء السرّي للإنتقام من الولايات المتحدة على خلفيّة خطّة الحوافز وقانون خفض التضخّم الذي أعلنه البيت الأبيض، ما هو الاّ كدليل على أن الكل باع خيرسون وأوكرانيا ببرميل نفط. وان نداء زيلنسكي الى الأوروبيين بضرب "الكرملن" في حال ضربت روسيا القصر الرئاسي، ليس سوى حلم ممثل هوليودي لا يصلح عرض فيلمه إلا على المراهقين.
سمر نادر
الأمم المتحدة-نيويورك